للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَإِنْ أَخَّرَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفَ لِذَلِكَ الْخَوْفِ (لَمْ يَمْلِكْهَا إلَّا بَعْدَهُ) أَيْ: التَّعْرِيفِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَمُرَادُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا حَتَّى يَمْلِكَهَا بِلَا تَعْرِيفٍ، وَلِهَذَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بَعْدَهُ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ تَبْقَى بِيَدِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا انْتَهَى فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بَعْدُ، فَيَتَعَارَضُ كَلَامُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا مُتَأَخِّرٌ عَمَّا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى هَذَا.

(وَإِذَا عَرَّفَهَا) أَيْ: عَرَّفَ الْمُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ الْجَائِزَ الْتِقَاطِهَا حَوْلًا كَامِلًا فَوْرًا (فَلَمْ تُعَرَّفْ دَخَلَتْ) اللُّقَطَةُ (فِي مِلْكِهِ) أَيْ: الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا (بَعْدَ الْحَوْلِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ «فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ فَاسْتَنْفِقْهَا» .

وَفِي لَفْظٍ «، وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ» ، وَفِي لَفْظٍ «ثُمَّ كُلْهَا» .

وَفِي لَفْظٍ «فَانْتَفِعْ بِهَا» ، وَفِي لَفْظٍ «فَشَأْنُكَ بِهَا» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كَعْبٍ «فَاسْتَنْفِقْهَا» .

وَفِي لَفْظٍ «فَاسْتَمْتِعْ بِهَا» ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ: وَيَمْلِكُ اللُّقَطَةَ مِلْكًا مُرَاعًى يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِوُجُودِ صَاحِبِهَا كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ أَوْ بَدَلُهُ لِلزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ (حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ، وَالتَّعْرِيفَ سَبَبُ التَّمَلُّكِ، فَإِذَا تَمَّا وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حُكْمًا كَالْإِحْيَاءِ، وَالِاصْطِيَادِ، فَلَا يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ.

(وَلَوْ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ (عُرُوضًا) فَهِيَ (كَالْأَثْمَانِ) لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي اللُّقَطَةِ جَمِيعِهَا، وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ تَرَى مَتَاعًا يُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ؟ أَوْ فِي مَسْكُونَةٍ فَقَالَ: عَرِّفْهُ سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ، وَإِلَّا فَشَأْنُكَ بِهِ» .

(وَ) لَوْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ (لُقَطَةَ الْحَرَمِ) فَإِنَّهَا تُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ حُكْمًا كَلُقَطَةِ الْحِلِّ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْحَرَمَيْنِ فَأَشْبَهَ حَرَمَ الْمَدِينَةِ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ، وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ إلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا عَامًا، وَتَخَصُّصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا لَا لِتَخْصِيصِهَا كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>