للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى عَادَتِهِمْ.

وَفِي شَرْحِ مُسْلِم وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ سِيَاقَ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ، وَحَمَلَهُ الْأَثْرَمُ عَلَى مَنْ وَصَى بِهِ حِينَ يَمُوت وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَتَأَذَّى بِذَلِكَ إنْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ كَمَا كَانَ السَّلَفُ يُوصُونَ وَلَمْ يُعْتَبَر كَوْنُ النِّيَاحَةِ عَادَةَ أَهْلِهِ.

وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ هُوَ عَادَةُ أَهْلِهِ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِ عُذِّبَ لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعُهُ وَلَمْ يُوصِ فَقَدْ رَضِيَ وَلَمْ يَنْهَ مَعَ قُدْرَتِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ: يَتَأَلَّمُ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَوَجَّهُ مَعَهُ لَا أَنَّهُ يُعَاقَبُ بِذَنْبِ الْحَيِّ {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] وَهَذَا كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» فَالْعَذَابُ أَعَمُّ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَوَافَقَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَتْ " وَاَللَّهُ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَيُزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَقَالَتْ لَمَّا بَلَغَهَا رِوَايَةُ عُمَرَ وَابْنِهِ فِي ذَلِكَ: إنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَ عَنْهُ غَيْرَ كَاذِبَيْنِ وَلَا مُتَّهَمِينَ وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ وَقَالَتْ: حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] (وَمَا هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ مِنْ وَعْظٍ أَوْ إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَمَعْنَاهُ لِابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ فَإِنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ ابْنُهُ عَقِيلٌ قَرَأَ قَارِئٌ {يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٧٨] فَبَكَى ابْنُ عَقِيلٍ وَبَكَى النَّاسُ فَقَالَ لِلْقَارِئِ يَا هَذَا إنْ كَانَ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ فَهُوَ نِيَاحَةٌ بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَنْزِل لِلنَّوْحِ بَلْ لِتَسْكِينِ الْأَحْزَانِ.

" فَائِدَةٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَاشِيَةِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الرُّوحَ هِيَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ الْمُسْتَعِدَّةُ لِلْبَيَانِ وَفَهْمِ الْخِطَابِ وَلَا تَفْنَى بِفَنَاءِ الْجَسَدِ، وَإِنَّهُ جَوْهَرٌ لَا عَرَضٌ اهـ وَتَجْتَمِعُ أَرْوَاحُ الْمَوْتَى فَيَنْزِلُ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى لَا الْعَكْس قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ قَالَ: وَمَذْهَبُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتهَا: أَنَّ الْعَذَابَ أَوْ النَّعِيمَ يَحْصُلُ لِرُوحِ الْمَيِّتِ وَبَدَنِهِ وَأَنَّ الرُّوحَ تَبْقَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْبَدَنِ مُنَعَّمَةً أَوْ مُعَذَّبَةً وَأَيْضًا تَتَّصِلُ بِالْبَدَنِ أَحْيَانًا فَيَحْصُلُ لَهُ مَعَهَا النَّعِيمُ أَوْ الْعَذَابُ وَلِأَهْلِ السُّنَّةِ قَوْلٌ آخَر: أَنَّ النَّعِيمَ وَالْعَذَابَ يَكُونُ لِلْبَدَنِ دُونَ الرُّوحِ اهـ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ وَاقِعٌ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْبَدَنِ تَعَلُّقًا بِالرُّوحِ، فَتُعَذَّبُ، فِي الْقَبْرِ،.

<<  <  ج: ص:  >  >>