للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرْفُوعًا قَالَ «كُنْت أُجَاوِرُ هَذَا الْعَشْرَ يَعْنِي الْأَوْسَطَ ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذَا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَلْبَثْ فِي مُعْتَكَفِهِ» .

(قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَ) هَذَا الِاعْتِكَافُ (لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ

إذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ ... خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

(قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى) أَيْ مِنْ التَّحْرِيمِ.

(وَهُوَ سُنَّةٌ كُلَّ وَقْتٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّه تَعَالَى وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ وَمَعَهُ (إلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافَ (فَيَجِبُ عَلَى صِفَةِ مَا نُذِرَ) مِنْ تَتَابُعٍ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَعَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.

(وَلَا يَخْتَصُّ) الِاعْتِكَافُ (بِزَمَانٍ) دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلَّ وَقْتٍ.

(وَآكَدُهُ فِي رَمَضَانَ) إجْمَاعًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يَعْتَكِفُ بِالثَّغْرِ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ نَفِيرٌ (وَآكَدُهُ الْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تُطْلَبُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

(وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: نَذْرَ الِاعْتِكَافِ (أَوْ) عَلَّقَ (غَيْرَهُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ عِنْدَ نَذْرِهَا (بِشَرْطٍ فَلَهُ شَرْطُهُ) أَيْ: فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُهُ، وَذَلِكَ نَحْوُ (أَنْ يَقُولَ) (لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ كُنْت مُقِيمًا أَوْ مُعَافًى، فَلَوْ كَانَ) النَّاذِرُ (فِيهِ) أَيْ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ.

(وَيَصِحُّ) الِاعْتِكَافُ (بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِحَدِيثِ «عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَوْفِ نَذْرَكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا صِيَامَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصِّيَامُ كَالصَّلَاةِ وَكَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِأَنَّ إيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لَا يَثْبُت إلَّا بِالشَّرْعِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ " فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، وَمَنْ رَفْعَهُ فَقَدْ وَهَمَ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ: الِاسْتِحْبَابُ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِيهِ أَفْضَلُ؛ وَلِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>