للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ. .

وَأَخَّرُوا السَّائِلَ لِلْإِرْجَاءِ ... كَالْيَوْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ لِلْأَدَاءِ

إنْ جَاءَ فِي الْحَالِ بِضَامِنٍ وَإِنْ ... لَمْ يَأْتِ بِالْحَمِيلِ بِالْمَالِ سُجِنْ

هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الْمِدْيَانِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا لِمُنَاسَبَتِهَا بِالْبَابِ فِي مُطْلَقِ إعْطَاءِ الضَّامِنِ، وَ (الْإِرْجَاءُ) التَّأْخِيرُ، يَعْنِي أَنَّ الْمِدْيَانَ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ الزَّمَانَ الْيَسِيرَ كَالْيَوْمِ وَشِبْهِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ إلَى مَا سَأَلَ لَكِنْ إنْ جَاءَ بِضَامِنٍ يَضْمَنُ الْمَالَ لِصَاحِبِهِ يَعْنِي أَوْ جَاءَ بِرَهْنٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ.

(فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ) " سُئِلَ سَحْنُونٌ عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخَّرَ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ قَالَ: يُؤَخَّرُ وَيُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا بِالْمَالِ إلَى يَوْمٍ وَلَا وَجَدَ الْمَالَ سُجِنَ ". (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ وَعَدَ بِقَضَاءِ دَيْنٍ وَسَأَلَ تَأْخِيرَهُ كَالْيَوْمِ أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ وَإِلَّا سُجِنَ. .

[بَابُ الْوَكَالَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

(ابْنُ عَرَفَةَ) . الْوَكَالَةُ نِيَابَةُ ذِي حَقٍّ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ وَلَا عِبَادَةٍ لِغَيْرِهِ فِيهِ غَيْرِ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ. (قَوْلُهُ ذِي حَقٍّ) أَخْرَجَ بِهِ مَنْ لَا حَقَّ لَهُ فَإِنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُ، (وَقَوْلُهُ غَيْرِ ذِي امْرَأَةٍ) أَخْرَجَ بِهِ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ، (وَقَوْلُهُ وَلَا عِبَادَةَ لِغَيْرِهِ فِيهِ) أَخْرَجَ بِهِ إمَامَةَ الصَّلَاةِ (وَقَوْلُهُ لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِنِيَابَةٍ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْحَقِّ، (وَقَوْلُهُ غَيْرِ مَشْرُوطَةٍ بِمَوْتِهِ) أَخْرَجَ بِهِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ عُرْفًا: وَكِيلٌ، وَلِذَا فَرَّقُوا بَيْنَ (فُلَانٍ وَكِيلِي وَوَصِيِّي) . اهـ وَقَدْ عَقَدَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْبَابِ الْكَلَامَ عَلَى الْوَكَالَةِ بِقِسْمَيْهَا مِنْ تَعْمِيمٍ وَتَخْصِيصٍ. وَمَسَائِلُهَا مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا بَيْنَ يَدَيْ الْقُضَاةِ. هَذَا مَعَ أَنَّ الْوَارِدَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَمِّ الْخُصُومَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ وَفِيمَا يَخُصُّ عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ مِمَّا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ الْمُتَيْطِيُّ قَالَ: وَكَرِهَ مَالِكٌ الْخُصُومَاتِ لِذَوِي الْهَيْئَاتِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ شَعْبَانَ " قَالَ مَالِكٌ: أُرَى الْمُخَاصِمَ رَجُلَ سَوْءٍ ". وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» .

(وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي خُصُومَةٍ لَا عِلْمَ لَهُ بِهَا لَمْ يَزَلْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ "

يَجُوزُ تَوْكِيلٌ لِمَنْ تَصَرَّفَا ... فِي مَالِهِ لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى قَبْضِ حُقُوقِهِ وَاقْتِضَاءِ دُيُونِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِ لَكِنْ إنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ رَشِيدًا لَا حَجْرَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (لِمَنْ تَصَرَّفَا فِي مَالِهِ) فَالرُّشْدُ شَرْطٌ فِي الْمُوَكِّلِ بِالْكَسْرِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكَّلِ الرُّشْدُ أَيْضًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ (لِمَنْ بِذَاكَ اتَّصَفَا) فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوَكَّلِ بِالْفَتْحِ الرُّشْدُ أَيْضًا، وَفُهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْجُورَ لَا يُوَكِّلُ غَيْرَهُ عَلَى حُقُوقِهِ، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ.

(ابْنُ عَرَفَةَ) . " قَالَ ابْنُ شَاسٍ كُلُّ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ، وَمَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ.

وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ وَبِامْتِنَاعِ تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ جَائِزُ الْأَمْرِ ".

(وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى) فِي تَوْكِيلِ بِكْرٍ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا، تَوْكِيلُهَا غَيْرُ جَائِزٍ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَلِي هَذَا مِنْ أَمْرِهَا إنَّمَا يَلِيهِ وَصِيُّهَا وَمَنْ يُوَكِّلُهُ السُّلْطَانُ. وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يُوهِمُ صِحَّةَ وَكَالَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا. الثَّانِي إنْ دَفَعَ الْعَبْدُ مَالًا لِرَجُلٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيُعْتِقَهُ فَفَعَلَ فَالْبَيْعُ لَازِمٌ، فَإِنْ اسْتَثْنَى مَالَهُ لَمْ يَغْرَمْ الْمَالَ ثَانِيًا وَإِلَّا غَرِمَهُ وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ وَلَا يُتْبَعُ بِشَيْءٍ.

(ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ) : وَأَمَّا مَنْعُ كَوْنِ الْوَكِيلِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ (قُلْتُ) : وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ بَلَدِنَا.

وَظَاهِرُ كِتَابِ الْمِدْيَانِ جَوَازُهُ، فَفِيهَا مَا نَصُّهُ (قُلْتُ) : إنْ دَفَعْتُ إلَى عَبْدٍ أَجْنَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ لِي بِهِ أَوْ لِيَتِيمٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُمَا دَيْنٌ يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِمَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: " يَكُونُ فِي الْمَالِ الَّذِي دُفِعَ إلَيْهِمَا وَمَا زَادَ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُمَا ".

(قُلْتُ) : ظَاهِرُهُ جَوَازُ تَوْكِيلِهِمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>