للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَغَائِبٌ يَنُوبُ فِي الْقِيَامِ ... عَنْهُ أَبٌ وَابْنٌ وَفِي الْخِصَامِ

وَجَائِزٌ إثْبَاتُ غَيْرِ الْأَجْنَبِي ... لِمَنْ يَغِيبُ وَاخْتِصَامُهُ أَبِي

يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ إذَا ظَهَرَ لَهُ حَقٌّ كَظُهُورِ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ سُرِقَ لَهُ أَوْ أُخِذَ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ أَوْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي دَارِهِ مَثَلًا أَوْ أَرْضِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَكِيلًا يَقُومُ بِأُمُورِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَنْ يَقُومَ عَنْهُ، وَيُخَاصِمَ عَنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ (وَفِي الْخِصَامِ) عَطْفٌ عَلَى (الْقِيَامِ) ، وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبِ وَالِابْنِ فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا كَلَامَ لَهُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ، وَلَا مِنْ الْخِصَامِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ يُمَكَّنُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْإِثْبَاتِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخِصَامِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي فَظَاهِرُ الْبَيْتَيْنِ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ وَاحِدٌ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَرِيبِ جِدًّا وَهُوَ الْأَبُ فِي مَالِ ابْنِهِ وَالِابْنُ فِي مَالِ أَبِيهِ، وَالْقَرِيبِ لِأَحَدٍ، وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّارِحُ قَائِلًا: " الْأَصْلُ أَنْ لَا يَنُوبَ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلَّا بِاسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ وَاسْتِنَابَتِهِ لَهُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ قِيَامَ الْأَبِ عَنْ ابْنِهِ وَقِيَامَ الِابْنِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِخْلَافِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا نِسْبَةُ الْأُبُوَّةِ مِنْ الْبُنُوَّةِ وَنِسْبَةُ الْبُنُوَّةِ مِنْ الْأُبُوَّةِ، فَلِذَلِكَ أُنْزِلَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْوَكِيلِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّصُّ عَلَى تَوْكِيلِهِ فَأَبَاحُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِيَامَ عَنْ صَاحِبِهِ، وَلَمَّا كَانَ مَنْ سِوَاهُمَا مِنْ الْأَقَارِبِ لَا تُوجَدُ فِيهِ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ أَبَاحُوا لَهُ إثْبَاتَ حَقِّ الْغَائِبِ خِيفَةَ ضَيَاعِهِ بِمَوْتِ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ أَوْ بِغَيْبَتِهِ، وَلِكَوْنِهِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إثْبَاتِ حَقِّهِ لَهُ، وَمَنَعُوا مِنْ الْخُصُومَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا لِعَدَمِ فَوْتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلِاتِّقَاءِ الْمَضَرَّةِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَنْ يَخْتَصِمُ عَنْهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ اسْتَوْفَى حُجَّتَهُ اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ. ثُمَّ جَلَبَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْعُتْبِيَّةِ وَابْنِ رُشْدٍ قَائِلًا: " أَجَازَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِلِابْنِ أَنْ يُخَاصِمَ عَنْ أَبِيهِ الْغَائِبِ فِي رِبَاعِهِ وَحَيَوَانِهِ وَجَمِيعِ مَالِهِ دُونَ الْوَكِيلِ وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِيمَا ادَّعَى لِابْنِهِ ".

(وَقَالَ فِي الْوَاضِحَةِ) : " إنَّ ذَلِكَ فِي الْأَبِ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الِابْنِ. " وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ لِمَنْ سِوَى الْأَبِ وَالِابْنِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْعَشِيرَةِ، وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتِ الْحَقِّ لَا أَكْثَرَ. ثُمَّ قَالَ: " وَالصَّوَابُ أَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ يُمَكَّنَانِ مِنْ الْإِثْبَاتِ وَالْخُصُومَةِ عَنْ الْغَائِبِ، وَمَنْ عَدَاهُمَا مِنْ الْقَرَابَةِ لَا يُمَكَّنُونَ إلَّا مِنْ الْإِثْبَاتِ لَا غَيْرُ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُصُومَةِ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ شَيْءٍ. وَاَلَّذِي فِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ بَابِ الْعَدَالَةِ مُتَّصِلًا بِهِ إذَا قَامَ عَنْ الْغَائِبِ مُحْتَسِبٌ فِي شَيْءٍ تُسُوِّرَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، أَوْ أُخِذَ لَهُ، أَوْ فِي عَيْبٍ أُحْدِثَ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَهَلْ يُمَكِّنُ الْقَاضِي هَذَا الْقَائِمَ مِنْ مُخَاصِمَةِ ذَلِكَ الْمُتَعَدِّي أَمْ لَا؟ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ وَمَنْ لَهُ قَرَابَةٌ قَرِيبَةٌ، ثُمَّ إذَا مَكَّنَهُ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ فَلَا يُخْرِجُ الْمِلْكَ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ، وَلَا يُزِيلُ الْعَيْبَ الَّذِي أُحْدِثَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ بِهِ الْغَائِبُ أَوْ يُقِرَّ أَنَّهُ أُعْلِمَ بِمَا أُحْدِثَ، وَإِنَّمَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ مَوْتِ الشُّهُودِ ثُمَّ يُنْظَرُ الْغَائِبُ، وَلَوْ أَقَرَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَقَارُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِغَائِبٍ أَخْرَجَهُ عَنْهُ وَجَعَلَهُ بِيَدِ ثِقَةٍ، وَيَقْطَعُ الْعَيْبَ إنْ اعْتَرَفَ بِإِحْدَاثِهِ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ الْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَيْضًا، وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ عَنْ الْغَائِبِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَهُ أَصْبَغُ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا مِنْ الْخُصُومَةِ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ فِي الْوَاضِحَةِ، خَامِسُهَا: أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ دُونَ تَوْكِيلٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَفُوتُ وَتَحُولُ وَتَغِيبُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخُصُومَةِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الْأَبُ وَالِابْنُ، حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٌ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّمْكِينِ فَهَلْ هَذَا فِي الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، أَوْ فِي الْبَعِيدِ خَاصَّةً؟ قَوْلَانِ قَالَ سَحْنُونٌ: فِي الْقَرِيبِ الْغَيْبَةِ دُونَ بِعِيدِهَا، وَقِيلَ: فِي الْبَعِيدِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَقَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ اهـ (وَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ) ، وَفِي تَمْكِينِ الدَّعْوَى لِغَائِبٍ بِلَا وَكَالَة تَرَدُّدٌ (تَنْبِيهٌ) : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْخِلَافِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَمَانُ مَالِ الْغَائِبِ الْمُدَّعَى فِيهِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ لِهَذَا الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ الْمُخَاصَمَةُ وَالدَّعْوَى، وَإِثْبَاتَ مِلْكِ الْغَائِبِ وَتَسَلُّمَهُ. الثَّانِيَةُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى فِيهِ شَيْئًا لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ الْغَائِبِ وَذَلِكَ الْمُرْتَهَنِ، لَهُ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَ الرَّاهِنِ لِيَبِيعَهُ، وَيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ. وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ وَغُرَمَاؤُهُ يُثْبِتُونَ مَا لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>