للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هِيَ مَسْأَلَةُ هَذَا الْفَرْعِ.

وَمُوقِعُ الطَّلَاقِ دُونَ نِيَّهْ ... بِطَلْقَةٍ يُفَارِقُ الزَّوْجِيَّهْ

وَقِيلَ بَلْ يَلْزَمُهُ أَقْصَاهُ ... وَالْأَوَّلُ الْأَظْهَرُ لَا سِوَاهُ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يَنْوِ وَاحِدَةً وَلَا ثَلَاثًا فَقِيلَ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَا مُسَمَّى الطَّلَاقِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ احْتِيَاطًا. وَالْأَوَّلُ وَهُوَ لُزُومُ الْوَاحِدَةِ أَظْهَرُ.

(قُلْت) : وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ جَارٍ عَلَى الْخِلَافِ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ لِأَقَلَّ وَلِأَكْثَرَ إذَا لَمْ تَصْحَبْهُ نِيَّةٌ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ مَصْدُوقَاتِهِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا؟ وَلِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُهَا (وَفِي طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ) مَنْ قَالَ: " طَلَّقْتُ امْرَأَتِي " وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَقِيلَ إنَّهَا وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ إنَّهَا ثَلَاثٌ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ. اهـ

(وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) فَإِنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ " ثُمَّ اتَّبَعَتْهُ بِالسَّبِّ وَقَبِيحِ الْكَلَامِ فَقَالَ لَهَا: " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا " وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (فَأَجَابَ) إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ. اهـ

وَهَذَا بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى الرَّجْعِيِّ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ الثَّلَاثَ الَّتِي أَوْقَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ طَلَّقَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ فِي وَاحِدَةٍ وَلَا فِي ثَلَاثٍ وَقُلْنَا تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ إنَّ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ رَجْعِيَّةٌ يُرْتَدَفُ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ وَكَذَا يَتَحَصَّلُ مِنْ جَوَابِ الْإِمَامِ أَبِي سَعِيدٍ ابْنِ لُبٍّ فِيمَنْ قَالَ: " نَعَمْ مُطَلِّقٌ أَنَا " ثُمَّ بَعْدَ يَوْمَيْنِ قَالَ: " هِيَ طَالِقٌ وَهِيَ عَلَيْهِ حَرَامٌ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: " مُطَلِّقٌ أَنَا " طَلْقَةً مُمَلِّكَةً فَلَا يَرْتَدِفُ عَلَيْهَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَإِنْ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا حَلَفَ أَنَّهُ قَصَدَ الطَّلْقَةَ الْمُمَلِّكَةَ.

وَإِنْ أَرَادَ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ لَمْ يُرِدْ رَجْعِيَّةً وَلَا مُمَلِّكَةً وَإِنَّمَا نَوَى الطَّلَاقَ دُونَ صِفَتِهِ فَإِنَّهُ يَرْتَدِفُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَصَدَ بِالتَّحْرِيمِ تَفْسِيرَ الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ أَوَّلًا فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، وَالتَّحْرِيمُ إذَا لَزِمَ فَهُوَ الثَّلَاثُ.

(قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) : وَعَلَى لُزُومِ الْوَاحِدَةِ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ فَهَلْ تَكُونُ رَجْعِيَّةً يَرْتَدِفُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ كَمَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَوْ بَائِنًا؟ قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ النَّاسِ بِالرَّجْعِيِّ فَلَا يَرْتَدِفُ التَّحْرِيمُ اهـ.

وَمَا امْرُؤٌ لِزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ ... مِمَّا زَمَانُ عِصْمَةٍ يَسْتَلْزِمُ

فَذَا إذَا دُونَ الثَّلَاثِ طَلَّقَا ... زَالَ وَإِنْ رَاجَعَ عَادَ مُطْلَقَا

مِثْلُ حَضَانَةٍ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى ... أَوْلَادِهَا وَمِثْلُ شَرْطٍ جَعَلَا

يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَزَمَ لِزَوْجَتِهِ مَا شَأْنُهُ أَنْ يُلْتَزَمَ زَمَانَ الْعِصْمَةِ كَحَضَانَةِ أَوْلَادِهَا وَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَكَالْغَيْبَةِ عَنْهَا أَوْ الرَّحِيلِ بِهَا وَالْإِخْدَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَادَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا دُونَ الثَّلَاثِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ، فَإِذَا رَاجَعَهَا رَجَعَ إلَيْهِمَا كَانَ الْتَزَمَهُ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَ زَوْجٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَعُودُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ:

فَذَا إذَا دُونَ الثَّلَاثِ طَلَّقَا

الْبَيْتَ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ رَاجَعَهَا لَمْ يَعُدْ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُهُ: " مِثْلُ حَضَانَةٍ وَالْإِنْفَاقِ " الْبَيْتَ هُوَ تَمْثِيلٌ لِقَوْلِهِ:

وَمَا امْرُؤٌ لَزَوْجَةٍ يَلْتَزِمُ

وَلَوْ جَعَلَهُ إثْرَهُ لَكَانَ أَنْسَبَ (فَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) وَسُئِلَ يَعْنِي ابْنَ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطَاعَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ عَلَى ابْنٍ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ مُدَّةَ الزَّوْجِيَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ رَاجَعَهَا هَلْ تَعُودُ النَّفَقَةُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ: تَعُودُ عَلَيْهِ مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِ الْمُمَلِّكِ شَيْءٌ، فَإِنْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ إنَّمَا الْتَزَمَ النَّفَقَةَ دُونَ الْكِسْوَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَحَكَى ابْنُ زَرْبٍ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكِسْوَةُ مَعَ النَّفَقَةِ، وَرَجَّحَ ابْنُ عَرَفَةَ انْدِرَاجَ الْكِسْوَةِ فِي النَّفَقَةِ.

(فَرْعٌ) سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدٍ بْنُ لُبٍّ عَنْ الزَّوْجَةِ إذَا أَسْقَطَتْ عَنْ زَوْجِهَا حُكْمَ الطَّوْعِ بِنَفَقَةِ أَوْلَادِهَا مِنْ غَيْرِهِ هَلْ لَهَا ذَلِكَ وَيَنْتَفِعُ الزَّوْجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>