للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي قَوْلِهِ: " بِذَاكَ مُطْلَقًا. وَالْبَاءُ ظَرْفِيَّةٌ، وَالْإِشَارَةُ لِلْإِنْفَاقِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا إذَا حَلَفَتْ وَأَثْبَتَتْ أَنَّ الْأَوْلَادَ كَانُوا فِي حَضَانَتِهَا.

(قَالَ فِي الْمُقَرِّبِ) قُلْت: فَإِنْ قَامَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا فَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا سِنِينَ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، وَيَحْلِفُ إنْ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ وَكَانَ مُوسِرًا مُقِيمًا مَعَهَا بِالْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ قَامَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَبْعَثُ إلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ قَدْ رَفَعَتْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ وَاسْتَرْعَتْ عَلَيْهِ فِي مَغِيبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ مِنْ يَوْمِ رَفَعَتْ وَلَا يُبَرِّئُهُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَخْرَجٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِذَا أَنْفَقَتْ امْرَأَةٌ عَلَى أَوْلَادٍ لَهَا صِغَارٍ فِي مَغِيبِ زَوْجِهَا ثُمَّ قَدِمَ فَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ فَحَالُهَا فِيمَا تَدَّعِي مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا كَحَالِ مَا تَدَّعِي أَنَّهَا أَنْفَقَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا. كَذَلِكَ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فِي نَفَقَتِهَا وَنَفَقَةِ بَنِيهَا إنْ كَانَتْ حَاضِنَةً لَهُمْ اهـ.

ابْنُ الْحَاجِبِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي إعْطَائِهَا وَإِرْسَالِهَا فَثَالِثُهَا الْمَشْهُورُ إنْ كَانَتْ رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مِنْ يَوْمئِذٍ، وَأَمَّا الْحَاضِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِلْعُرْفِ، وَلَهَا طَلَبُهُ عِنْدَ سَفَرِهِ بِنَفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلِ يَدْفَعُهَا لَهَا أَوْ يُقِيمُ لَهَا كَفِيلًا يُجْرِيهَا عَلَيْهَا اهـ

فَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَالَ الْعَدَم ... طُولَ مَغِيبِهِ وَحَالُهُ انْبَهَمْ

فَحَالَةُ الْقُدُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ ... مُسْتَنِدٌ لَهَا قَضَاءُ الْحَاكِم

فَمُعْسِرٌ مَعَ الْيَمِينِ صُدِّقَا ... وَمُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا

وَقِيلَ بِاعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ ... وَالْحُكْمُ بِاسْتِصْحَابِ حَالِهِ حَرْ

وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ ... وَالْقَوْلُ بِالتَّصْدِيقِ أَيْضًا جَارِ

يَعْنِي إذَا قَدِمَ الزَّوْجُ مِنْ مَغِيبِهِ فَطَلَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ مُدَّةَ الْغَيْبَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ مُعْسِرًا، لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ فِي مُدَّةِ الْغَيْبَةِ شَيْئًا، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُجْهَلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ أَوْ يُعْلَمَ، فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ إذْ ذَاكَ مَلِيًّا وَلَا مُعْدِمًا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَوَّلُهَا لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِحَالَةِ قُدُومِهِ عَلَى حَالَةِ غَيْبَتِهِ، فَيُصَدَّقُ مَعَ يَمِينِهِ إنْ قَدِمَ مُعْدِمًا، وَلَا يُصَدَّقُ إنْ قَدِمَ مُوسِرًا.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَغْيِيرِ الْحَالِ. قَالَ فِي الْبَيَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ

فَحَالَةُ الْقُدُومِ لِابْنِ الْقَاسِمِ

الْبَيْتَيْنِ الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْيَسَارِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ فِي مَغِيبِهِ مُعْدِمًا وَإِنْ قَدِمَ مُعْدِمًا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى مَعْنَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَفِي التَّوْضِيحِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ قَالَا: عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغَالِبَ الْمِلَاءُ، وَلِأَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ ادَّعَى الْعَدَمَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، عَلَى الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبَيَانِ: وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَقِيلَ بِالْحَمْلِ عَلَى الْيَسَارِ

الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الْإِعْسَارَ حَالَةَ الْغَيْبَةِ، سَوَاءٌ قَدِمَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ كِنَانَةَ هُنَا، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا لِابْنِ كِنَانَةَ وَسَحْنُونٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَالْقَوْلُ بِالتَّصْدِيقِ أَيْضًا جَارِ

وَإِلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ مَعَ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ فِي التَّرْتِيبِ أَشَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْإِعْسَارِ فِي الْغَيْبَةِ فَثَالِثُهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَدِمَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِلَّا فَقَوْلُهَا. فَالْأَوَّلُ عِنْدَهُ هُوَ الثَّالِثُ فِي النَّظْمِ، وَالثَّانِي عِنْدَهُ هُوَ الثَّانِي أَيْضًا فِي النَّظْمِ، وَالثَّالِثُ عِنْدَهُ هُوَ الْأَوَّلُ فِي النَّظْمِ هَذَا كُلُّهُ إنْ جُهِلَ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا إنْ عُلِمَتْ حَالُهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنْ مُلَاءٍ أَوْ عَدَمٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عُلِمَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَتُسْتَصْحَبُ تِلْكَ الْحَالُ.

وَإِنْ قَدِمَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ. وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الْإِشْبِيلِيُّ: أَنَّهَا رِوَايَةٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مُوسِرًا ثَبَتَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِذَا خَرَجَ مُعْدِمًا فَقَدْ ثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>