للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ يَكُنْ فِي الْحَرْبِ فَالْمَشْهُورُ ... فِي مَالِهِ وَالزَّوْجَةِ التَّعْمِيرُ

وَفِيهِ أَقْوَالٌ لَهُمْ مُعَيَّنَهْ ... أَصَحُّهَا الْقَوْلُ بِسَبْعِينَ سَنَهْ

وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ بِضَرْبِ عَامِ ... مِنْ حِينِ يَأْسٍ مِنْهُ لَا الْقِيَامِ

وَيُقْسَمُ الْمَالُ عَلَى مَمَاتِهِ ... وَزَوْجَةٌ تَعْتَدُّ مِنْ وَفَاتِهِ

وَذَا بِهِ الْقَضَاءُ فِي أَنْدَلُسِ ... لِمَنْ مَضَى فَمُقْتَفِيهِمْ مُؤْتَسِ

يَعْنِي الْمَفْقُودُ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ إمَّا فِي غَيْرِ حَرْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَإِمَّا فِي حَرْبٍ وَعَلَيْهِ تَكَلَّمَ هُنَا فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ

وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْكُفْرِ

فِي غَيْرِ حَرْبٍ يَعْنِي أَنَّ مَنْ فُقِدَ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ فِي الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ فَفِيهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُعْمَلُ فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ كَالْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ، وَلَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ، إلَّا بَعْدَ أَجَلِ التَّعْمِيرِ، وَالْحُكْمِ بِمَوْتِهِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ فَالْمَشْهُورُ

فِي مَالِهِ وَالزَّوْجَةِ التَّعْمِيرُ

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ عَنْهُ فَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ وُرِّثَ مَالُهُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمَفْقُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ تَعْتَدُّ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ

وَقَدْ أَتَى الْقَوْلُ بِضَرْبِ عَامِ

وَمُبْتَدَأُ الْعَامِ مِنْ حَيْثُ الْيَأْسُ مِنْ خَبَرِهِ لَا مِنْ حِينِ قِيَامِ الزَّوْجَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

مِنْ حِينِ يَأْسٍ مِنْهُ لَا الْقِيَامِ

، فَإِذَا انْقَضَى الْعَامُ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ قُسِّمَ مَالُهُ وَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى مَمَاتِهِ

الْبَيْتُ فَقَوْلُهُ عَلَى مَمَاتِهِ، أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِتَمْوِيتِهِ إذْ ذَاكَ، أَيْ لَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِتَعْمِيرِهِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْقَضَاءُ فِي بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ لِمَنْ مَضَى مِنْ الشُّيُوخِ فَمَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُؤْتَسٍ وَمُقْتَدٍ بِهِمْ، وَلَمَّا ذَكَرَ النَّاظِمُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِتَعْمِيرِهِ ذَكَرَ إثْرَهُ بَعْضَ مَا قِيلَ فِي التَّعْمِيرِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِيهِ أَقْوَالًا لَهُمْ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْكِ مِنْهَا إلَّا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّهَا، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ مَفْقُودَ الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: (الْأَوَّلُ) أَنَّهُ كَالْأَسِيرِ لَا تَتَزَوَّجُ زَوْجَتُهُ وَلَا يُقَسَّمُ مَالُهُ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ، أَوْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي مَالِهِ وَزَوْجَتِهِ فَيُعَمَّرُ فِي مَالِهِ وَيُضْرَبُ لِزَوْجَتِهِ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ (الْقَوْلُ الثَّالِثُ) تَعْتَدُّ بَعْدَ سَنَةٍ بَعْدَ النَّظَرِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّانِي فِي النَّظْمِ وَعَلَيْهِ ذَهَبَ خَلِيلٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ فِي حَدِّ التَّعْمِيرِ سِتَّةَ أَقْوَالٍ اقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهَا، فَقَالَ وَهُوَ سَبْعُونَ سَنَةً وَاخْتَارَ الشَّيْخَانِ ثَمَانِينَ وَحَكَمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ قَالَ

وَمَنْ بِأَرْضِ الْمُسْلِمِينَ يُفْقَدُ ... فَأَرْبَعٌ مِنْ السِّنِينَ الْأَمَدُ

وَبِاعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الْحُكْمُ جَرَى ... مُبَعَّضًا وَالْمَالُ فِيهِ عُمِّرَا

لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْكُفْرِ بِقِسْمَيْهِ، أَيْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ، أَوْ فِي حَرْبٍ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ حَرْبٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ، فَأَمَّا زَوْجَتُهُ فَيُضْرَبُ لَهَا أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ خَبَرِهِ تَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَأَمَّا مَالُهُ فَلَا يُوَرَّثُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ (قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) وَالْمَفْقُودُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ يَوْمِ تَرْفَعُ ذَلِكَ وَيَنْتَهِي الْكَشْفُ عَنْهُ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَمُعْتَدَّةِ الْمَيِّتِ، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ وَلَا يُوَرَّثُ مَالُهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا لَا يَعِيشُ إلَى مِثْلِهِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَبِاعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْحُكْمَ جَرَى فِي الْمَفْقُودِ بِأَرْضِ الْإِسْلَامِ مُبَعَّضًا بِسَبَبِ اعْتِدَادِ الزَّوْجَةِ بَعْدَ الْأَرْبَعِ سِنِينَ وَحِلِّيَّتِهَا لِلْأَزْوَاجِ بَعْدَهَا وَتَعْمِيرِهِ فِي الْمَالِ فَلَمْ يُعَمَّرْ فِي الْجَمِيعِ وَلَا ضُرِبَ لَهُ الْأَجَلُ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ عُمِّرَ فِي الْمَالِ وَضُرِبَ لِزَوْجَتِهِ الْأَجَلُ فَيُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بِاعْتِبَارِ الزَّوْجَةِ وَبِحَيَاتِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ التَّبْعِيضُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَحُكْمُ مَفْقُودٍ بِأَرْضِ الْفِتَنِ ... فِي الْمَالِ وَالزَّوْجَةِ حُكْمُ مَنْ فَنِيَ

مَعَ التَّلَوُّمِ لِأَهْلِ الْمَلْحَمَهْ ... بِقَدْرِ مَا تَنْصَرِفُ الْمُنْهَزِمَهْ

فَإِنْ نَأَتْ أَمَاكِنُ الْمَلَاحِمِ ...

تَرَبَّصَ الْعَامَ لَدَى ابْنِ الْقَاسِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>