للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَقْدِ الِابْتِيَاعِ قَبْلَ تَقْيِيدِ الْإِشْهَادِ، وَبَعْدَ وَصْفِ الْبَيْعِ أَنَّهُ انْعَقَدَ دُونَ شَرْطٍ وَلَا ثُنْيَا وَلَا خِيَارٍ لَمْ يُخِلَّ بِالْعَقْدِ وَكَانَ جَائِزًا كَالتَّبَرِّي مِنْ الْوَصْفِ سَوَاءٌ. وَعَقْدُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ وَثِيقَةِ الِابْتِيَاعِ أَحْسَنُ وَأَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ، وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ لِيُبْعِدُوا الظِّنَّةَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ، وَفِي ظَاهِرِ قَوْلِ النَّاظِمِ شَرْطٌ عَلَى الطَّوْعِ شِبْهُ تَنَافٍ لِأَنَّ مَا هُوَ شَرْطٌ لَيْسَ بِطَوْعٍ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِقَالَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالثَّمَنِ إنْ كَانَ طَوْعًا مِنْ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ حَالَ الْعَقْدِ فَيَجُوزُ كَتْبُهُ فِي رَسْمِ التَّبَايُعِ وَالْأَحْسَنُ كَتْبُهُ فِي عَقْدٍ وَحَدَهُ مُسْتَقِلٍّ. وَلَوْ قَالَ (وَحَيْثُمَا الثُّنْيَا عَلَى الطَّوْعِ جُعِلْ لَكَانَ أَوْلَى) .

قَوْلُهُ:

وَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعٍ لِلطَّوْعِ

الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا، وَذَلِكَ كَانَ طَوْعًا بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ كَانَ شَرْطًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الطَّوْعِ، لِأَنَّهُ ادَّعَى الصِّحَّةَ وَهِيَ الْأَصْلُ لَا لِمُدَّعِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْفَسَادَ، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ النَّاظِمُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ هُوَ الَّذِي فِي وَثَائِق ابْنِ الْعَطَّارِ وَهَلْ بِيَمِينٍ أَوْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ لَهُ بِالطَّوْعِ قَوْلَانِ وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوِرِ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَصْلِ الصَّفْقَةِ حَلَفَ وَفُسِخَ الْبَيْعُ لِمَا قَدْ جَرَى مِنْ عُرْفِ النَّاسِ قَالَ وَبِذَلِكَ كَانَتْ الْفُتْيَا عِنْدَنَا وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِمِثْلِ هَذَا فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِلَّا فَلَا. نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَالْمُتَيْطِيُّ.

وَقَدْ بَحَثَ الشَّارِحُ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ الْفَسَادُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَغْلِبُ فِيهَا الْفَسَادُ، وَكَادَتْ أَنْ لَا تَقَعَ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْفَاسِدِ، فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ فِيهَا عَنْ كَوْنِ الْقَوْلِ لِمُدَّعِي الْفَسَادِ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُشَاوِرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى الْفَسَادِ: كَوْنُ الْبَيْعِ يَقَعُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَتَحَقَّقُهُ الْمُتَبَايِعَانِ، وَلَوْلَا الدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ، وَاعْتِقَادُ الْبَائِعِ أَنَّ ذَلِكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي كَالرَّهْنِ، مَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَلَا بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ

(تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي كَوْنِ الثُّنْيَا طَوْعًا أَوْ شَرْطًا إنَّمَا هُوَ إذَا سَقَطَ مِنْ الْوَثِيقَةِ كَوْنُ الْبَيْعِ لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَا ثُنْيَا، وَلَا خِيَارَ أَمَّا إنْ كَانَ فِيهَا ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّ

(قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ قُرِئَ الْعَقْدُ عَلَى مَنْ ادَّعَى الْفَسَادَ فُهِمَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُوَثِّقِ، لَا شَرْطَ فِيهِ وَلَا ثُنْيَا. وَعُرِفَ مَعْنَاهُ، فَلَا إشْكَالَ فِي كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يُقْرَأْ عَلَيْهِ أَوْ قُرِئَ وَلَمْ يَتَنَازَلْ مَعَهُ لِفَهْمِ مَا ذُكِرَ وَلَا لِعَدَمِ فَهْمِهِ، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ، لِأَنَّ جُلَّ الْمُوَثِّقِينَ يَكْتُبُونَ الْوَثِيقَةَ عَلَى الْمِسْطَرَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِفَهْمِ بَعْضِ فُصُولِهَا، هَذَا فِي الْكَاتِبِ. فَمَا بَالُك بِالْعَامِّيِّ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْعَامَّةَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَى الثُّنْيَا الَّتِي تَفِي الْمُوَثِّقَ، وَإِنَّمَا يُسَمُّونَ ذَلِكَ: الْبَيْعَ وَالْإِقَالَةَ. فَكَيْفَ يُؤَاخَذُ بِمَا لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ. وَهَذَا أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي قَدْ أَشْهَدَ بِإِسْقَاطِ دَعْوَاهُ وَاسْتِرْعَاءَاتِهِ. فَلَا يُلْتَفَتُ حِينَئِذٍ إلَى دَعْوَاهُ. وَلَوْ أَثْبَتَهَا بِبَيِّنَةٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ أَجَابَ الْإِمَامُ السَّنُوسِيُّ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ آخِرَ السِّفْرِ الثَّالِثِ فِي صُلْحٍ اُدُّعِيَ فَسَادُهُ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ بَعْضَ الْمُصَالِحِينَ بِإِسْقَاطِ دَعْوَى الْفَسَادِ.

(تَفْرِيعٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الثُّنْيَا عَلَى وَجْهَيْنِ: مُطْلَقَةٌ وَمُقَيَّدَةٌ فَإِنْ كَانَ الطَّوْعُ إلَى أَجَلٍ لَزِمَ الْمُبْتَاعَ مَتَى جَاءَهُ الثَّمَنُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، أَوْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ، أَوْ بَعْدَهُ، عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَيُعِيدَهُ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ تَفْوِيتُهُ فِي خِلَالِ الْأَجَلِ، فَإِنْ فَعَلَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ نُقِضَ إنْ أَرَادَهُ الْبَائِعُ، وَرُدَّ إلَيْهِ. وَإِنْ أَفَاتَهُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَلَمْ يَأْتِ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ إلَّا عَلَى بُعْدٍ مِنْ انْقِضَائِهِ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبَا فِي ذَلِكَ أَجَلًا فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ فِي قُرْبِ الزَّمَنِ أَوْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يَفُتْهُ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ أَفَاتَهُ الْمُبْتَاعُ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ إلَيْهِ. فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ حِينَ إرَادَةِ التَّفْوِيتِ، فَلَهُ مَنْعُهُ بِالسُّلْطَانِ إذَا كَانَ مَالُهُ حَاضِرًا. فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَنْعِ السُّلْطَانِ رُدَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ فَوَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ بِتَوْقِيفِهِ نُقِدَ تَفْوِيتُهُ. نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَنَحْوَهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>