للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَدْرُ دَيْنِهِ فَأَكْثَرَ لَمْ يُقْسَمْ، فَلِرَبِّهِ الْقِيَامُ بِدَيْنِهِ، وَيَقْضِي لَهُ بِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّ سُكُوتَهُ وَقْتَ قَسْمِ مَا قُسِمَ لَمْ يَكُنْ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ، وَلَا تَرْكًا يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى وَهِيَ يَمِينُ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا تَرَكَهُ وَلَا أَحَالَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ أَوْ صَغِيرٍ وَنَحْوِهِمْ، ثُمَّ يَقْتَضِي دَيْنَهُ مِمَّا لَمْ يُقْسَمْ مِنْ التَّرِكَةِ. وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ الْقَسْمَ وَقَسَمَ جَمِيعَ التَّرِكَةِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَلَا قِيَامَ لَهُ يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ لِأَمْرٍ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ: قِيلَ لِعِيسَى: فَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ فَاقْتَسَمَ وَرَثَتُهُ مَالَهُ وَرَجُلٌ حَاضِرٌ يَنْظُرُ إلَى قِسْمَتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِذِكْرِ حَقٍّ قَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ وَهُوَ يَدَّعِي حَقَّهُ عِنْدَمَا يَحْدُثُ فِيهِ هَذَا الْإِحْدَاثُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ مُدَّعِيًا بِحَقِّهِ أَوْ يَكُونُ غَائِبًا أَوْ يَكُونُ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَمْتَنِعُونَ بِهِ، وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ أَبَدًا، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهُ إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ بَعْضِ مَا وَصَفْنَا انْتَهَى عَلَى نَقْلِ الشَّارِحِ وَنُقِلَ. وَالْمَسْأَلَةُ آخِرَ مَجَالِسِ الْمِكْنَاسِيِّ.

وَقَالَ: لَا شَيْءَ لَهُ. وَلَوْ قَالَ: أَنَا سَكَتُّ لِأَنَّ الرَّسْمَ كَانَ غَائِبًا عَنِّي، وَخِفْتُ إذَا طَلَبْتُ دَيْنِي عَجَّزَنِي الْقَاضِي، أَوْ قَالَ لَمْ أَجِدْ مَا أَقُومُ بِهِ حَتَّى الْآنَ فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: " قَدْرِ دَيْنِهِ " أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا لَا يَفِي إلَّا بِبَعْضِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ الْبَعْضَ، وَيُسْقِطُ الْبَاقِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ وَمَا أَشْبَهَهُ]

ُ

وَمَنْ يَبِعْ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِي ... بِالْقَهْرِ مَالًا تَحْتَ ضَغْطٍ مَرْعِي

فَالْبَيْعُ إنْ وَقَعَ مَرْدُودٌ وَمَنْ ... بَاعَ يَجُوزُ الْمُشْتَرَى دُونَ ثَمَنْ

الْمَضْغُوطُ هُوَ الْمُكْرَهُ الْمُضَيَّقُ عَلَيْهِ (قَالَ فِي الْقَامُوسِ) الضُّغْطَةُ بِالضَّمِّ: الضِّيقُ، وَالشِّدَّةُ وَالْإِكْرَاهُ يَعْنِي أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ، وَضُيِّقَ عَلَيْهِ، وَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَصْلًا كَانَ أَوْ عَرَضًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِالْمَالِ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ: مَالًا هُوَ مَفْعُولُ يَبِعْ، وَكَانَ ذَلِكَ الْبَيْعُ لِغَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ وَضَغْطُهُ مُرَاعَى شَرْعًا لِكَوْنِهِ مَخُوفًا مُضِرًّا كَالْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ، وَالسَّجْنِ، وَالصَّفْعِ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَحْضَرِ النَّاسِ، وَقَتْلِ الْوَلَدِ، وَأَخْذِ الْمَالِ لَا سِيَّمَا إنْ كَثُرَ. قَالَ الشَّارِحُ: وَالْإِهَانَةُ الْمُلْزِمَةُ لِمَنْ لَا تَلِيقُ بِهِ إكْرَاهٌ. فَكَيْفَ بِالضَّرْبِ وَالْإِيلَامِ؟

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ: وَالسَّجْنُ بِمُجَرَّدِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إكْرَاهٌ، فَكَيْفَ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ الْإِخَافَةِ وَالثِّقَافِ فِي الْحَدِيدِ. فَإِنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ، مَرْدُودٌ شَرْعًا. وَالْبَائِعُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ يَأْخُذُ شَيْأَهُ أَيْنَ وَجَدَهُ بِلَا ثَمَنٍ يَلْزَمُهُ فِيهِ. عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَإِنَّمَا كَانَ بَيْعُهُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ لُزُومِ الْبَيْعِ كَوْنَ عَاقِدِهِ مُكَلَّفًا. وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عَلَى الصَّحِيحِ فَبَيْعُهُ غَيْرُ لَازِمٍ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ فِي حَقٍّ شَرْعِيٍّ، كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمُفْلِسَ عَلَى الْبَيْعِ لِقَضَاءِ غُرَمَائِهِ، وَجَبْرِ الْمَدِينِ غَيْرِ الْمُفْلِسِ لِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَبَيْعُهُ مَاضٍ وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ شَيْؤُهُ، وَلَوْ بَاعَهُ تَحْتَ الضَّغْطِ، وَالْإِكْرَاهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اضْطَرَّتْهُ الْحَاجَةُ وَالْفَاقَةُ لِبَيْعِ شَيْئِهِ فَلَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ مِنْهُ. وَبَيْعُهُ مَاضٍ لَا يُرَدُّ. وَمَفْهُومُ وَصْفِ الضَّغْطِ بِكَوْنِهِ مَرْعِيًّا أَنَّ الضَّغْطَ غَيْرَ الْمَرْعِيِّ شَرْعًا لَا عِبْرَةَ بِهِ وَهُوَ كَالْعَدَمِ، وَذَلِكَ كَالْحَيَاءِ وَالْخَوْفِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ. أَوْ عَلَى مَالٍ تَافِهٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَمَا ذَكَرَ النَّاظِمُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ وَرَدِّ الْمَبِيعِ لِرَبِّهِ هُوَ عَامٌّ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى إعْطَاءِ مَالٍ ظُلْمًا فَبَاعَ لِذَلِكَ. وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِهِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ وَهُوَ التَّكْلِيفُ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَمَا تَقَدَّمَ

(قَالَ الْحَطَّابُ) وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ بِإِجْمَاعٍ، وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِ مَالٍ، فَبَاعَ لِذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافُ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ. وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: بَيْعُهُ لَازِمٌ غَيْرُ مَفْسُوخٍ. قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَمَالَ إلَيْهِ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ عَرَفَةَ

(التَّوْضِيحُ) وَالْمَذْهَبُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى مَالٍ فَيَبِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>