للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِصَبِيٍّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصْيِيرُ لِلصَّبِيِّ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا وَصِيٌّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ، فَيَدْخُلُ التَّصْيِيرَ عَدَمُ التَّنَاجُزِ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ.

(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ لِلصَّغِيرِ أَوْ لِلْيَتِيمِ قِيلَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ قَرِيبٌ غَيْرُ الْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ، وَأَرَادَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يُصَيِّرَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِلْكًا، فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الْقَابِضَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَوَصِيٌّ فَلَا يَصِحُّ التَّصْيِيرُ بِوَجْهٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَتَعَذَّرُ فِيهِ فَيَدْخُلُهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ اهـ. .

وَالْأَبُ كَالْوَصِيِّ فِي التَّصْيِيرِ ... تَمَخِّيًا بِالْجَهْلِ لِلْمَحْجُورِ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ، وَالْوَصِيِّ أَنْ يُصَيِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ إلَى نَظَرِهِ شَيْئًا يَكُونُ ذَلِكَ الْمُصَيَّرُ فِي مُقَابَلَةِ مَا جَهِلَهُ الْمُصَيِّرُ الْمَذْكُورُ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَقْبِضُ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُصَيَّرَ مِنْ نَفْسِهِ لِمَحْجُورِهِ فَقَوْلُهُ: " لِلْمَحْجُورِ " يَتَعَلَّقُ بِ " التَّصْيِيرِ "، وَ " تَمَخِّيًا " مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، وَالتَّمَخِّي التَّبَرِّي، وَالِاسْتِسْلَامُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: " تَمَخَّيْتُ مِنْ الشَّيْءِ وَامَّخَيْتُ مِنْهُ إذَا تَبَرَّأْتُ مِنْهُ وَتَحَرَّجْتُ " اهـ.

وَبَاءُ " بِالْجَهْلِ " سَبَبِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِ " تَمَخِّيًا ".

(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) : وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مَجْهُولًا قَدْرُهُ لَا يَعْرِفُهُ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَإِنَّمَا اسْتَهْلَكَ لَهُ مَالًا لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ، فَتَمَخَّى مِنْهُ بِأَنْ صَيَّرَ لَهُ فِي ذَلِكَ دَارًا، أَوْ مِلْكًا جَازَ التَّصْيِيرُ، وَصَحَّ الْقَبْضُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا لَمْ يَسْكُنْ الْمُصَيِّرُ فِيهِ، وَيَسْقُطُ مِنْ نَصِّ الْوَثِيقَةِ مَعْرِفَةُ السَّدَادِ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ قَدْرُ مَا صُيِّرَتْ الدَّارُ فِيهِ اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّيْنَ مُحَقَّقٌ إلَّا أَنَّهُ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ مِنْ اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الدَّيْنِ الْمُصَيَّرِ فِيهِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ كَهَذَا جَازَ التَّصْيِيرُ فِي الْمَجْهُولِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الدَّيْنَ وَإِنَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ شَيْءٌ جَهِلَهُ، أَوْ نَسِيَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْقَبْضِ، وَالدَّفْعِ فَيُصَيِّرُ لَهُ فِي ذَلِكَ شَيْئًا احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا مُسْتَحَبٌّ وَالْأَوَّلَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي حَلِّ الْبَيْتِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ مِنْ مَالِهِ وَفِي فَصْلِ التَّصْيِيرِ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي هَذَا التَّمَخِّي، وَاخْتَلَفَا فِي التَّعْلِيلِ فَرَآهُ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْعًا جُهِلَ فِيهِ الثَّمَنُ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ وَرَآهُ سَحْنُونٌ صَدَقَةً فَلَا شُفْعَةَ، وَيَفْتَقِرُ إلَى حِيَازَةٍ قَالَ: وَقَوْلُ سَحْنُونٍ أَظْهَرُ عِنْدِي اهـ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ نَازِلَةٌ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِوَصَايَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَالٌ عَلَى مِقْدَارِهِ لِمَحْجُورٍ لَهُ تَمَخِّيًا لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ الَّذِي كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ تِلْكَ الْوَصَايَا وَأَبْطَلَهَا فَهَلْ الْجَارِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ بَيْعٌ جُهِلَ فِيهِ الثَّمَنُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>