للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي السَّلَمِ]

(فَصْلٌ فِي السَّلَمِ)

فِيمَا عَدَا الْأُصُولَ جُوِّزَ السَّلَمْ ... وَلَيْسَ فِي الْمَالِ وَلَكِنْ فِي الذِّمَمْ

وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا ... يَقْبَلُ الِالْتِزَامَ وَالْإِلْزَامَا

وَشَرْطُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ أَنْ يُرَى ... مُتَّصِفًا مُؤَجَّلًا مُقَدَّرَا

بِوَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ وَذَرْعٍ أَوْ عَدَدْ ... مِمَّا يُصَابُ غَالِبًا عِنْدَ الْأَمَدْ

وَشَرْطُ رَأْسِ الْمَالِ أَنْ لَا يُحْظَلَا ... فِي ذَاكَ دَفْعُهُ وَأَنْ يُعَجَّلَا

وَجَازَ إنْ أُخِّرَ كَالْيَوْمَيْنِ ... وَالْعَرَضُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ

(ابْنُ عَرَفَةَ) السَّلَمُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ بِغَيْرِ عَيْنٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ غَيْرُ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ اهـ.

فَقَوْلُهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ السَّلَمُ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْإِجَارَةِ، وَالنِّكَاحِ، وَغَيْرِهِمَا " وَيُوجِبُ عِمَارَةَ ذِمَّةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْمُعَاوَضَةَ فِي الْمُعَيَّنَاتِ وَ " بِغَيْرِ عَيْنٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَ " لَا مَنْفَعَةٍ " أَخْرَجَ بِهِ الْكِرَاءَ الْمَضْمُونَ وَمَا شَابَهَهُ مِنْ الْمَنَافِعِ فِي الذِّمَّةِ وَ " غَيْرُ مُتَمَاثِلِ الْعِوَضَيْنِ " أَخْرَجَ بِهِ السَّلَفَ وَتَعَرَّضَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ لِبَيَانِ شُرُوطِ السَّلَمِ، وَجُلُّهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَعْضُهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فَأَخْبَرَ أَنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ فِيمَا عَدَا الْأُصُولَ مِنْ السِّلَعِ وَالْعُرُوضِ وَالطَّعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ فِي الْأُصُولِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ لِتَشَاحِّ النَّاسِ فِي مَوَاضِعِهَا، وَاخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِمْ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا وَإِذَا عُيِّنَ مَوْضِعُهَا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا فِي الذِّمَّةِ، وَصَارَ سَلَمًا فِي مُعَيَّنٍ وَمِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ كَوْنُهُ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْمُعَيَّنِ وَلِذَا قَالَ: " وَلَيْسَ فِي الْمَالِ " أَيْ الْمُعَيَّنِ " وَلَكِنْ فِي الذِّمَمْ " وَهُوَ جَمْعُ ذِمَّةٍ وَإِنَّمَا شَرَطُوا كَوْنَهُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الذِّمَّةِ لَكَانَ مُعَيَّنًا وَذَلِكَ مَلْزُومُ الْبَيْعِ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْغَرَرُ ظَاهِرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ مَنْ هُوَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ فَالْغَرَرُ أَيْضًا لَازِمٌ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ لِأَنَّ السَّلَمَ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ لِيَضْمَنَهُ لَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ. انْتَهَى مِنْ الْحَطَّابِ وَهَذَا - أَعْنِي كَوْنَ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي مُعَيَّنٍ - هُوَ أَحَدُ شُرُوطِ السَّلَمِ.

(قَالَ الْبَاجِيُّ) : لَا خِلَافَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالذِّمَّةِ اهـ.

وَالذِّمَّةُ قَالَ الْقَرَافِيُّ: مَعْنًى شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمُكَلَّفِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ قَابِلٌ لِلِالْتِزَامِ فَإِذَا الْتَزَمَ شَيْئًا اخْتِيَارًا لَزِمَهُ، وَتَلْزَمُهُ أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي، وَأَجْزِمُ بِهِ أَنَّ الذِّمَّةَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ تَرْجِعُ إلَى الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَعْدُومُ وَحُكْمُ الْمَوْجُودِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ: وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّ الذِّمَّةَ قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ دُونَ الْتِزَامِهَا، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ لِلصَّبِيِّ ذِمَّةٌ لِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُرُوشُ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لِلصَّبِيِّ نَقُولُ الذِّمَّةُ قَبُولُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا لِلُزُومِ الْحُقُوقِ، وَالْتِزَامِهَا اهـ.

وَإِلَى كَلَامِ ابْنِ الشَّاطِّ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا ... يَقْبَلُ الِالْتِزَامَ وَالْإِلْزَامَا (

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) الذِّمَّةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيُّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ وَلَيْسَ بِذَاتٍ، وَلَا صِفَةٍ لَهَا (ابْنُ عَرَفَةَ) يُرَدُّ بِلُزُومِ كَوْنِ مَعْنَى قَوْلِنَا إنْ قَامَ زَيْدٌ وَنَحْوَهُ ذِمَّةً الصَّوَابُ فِي تَعْرِيفِهَا أَنَّهَا مُتَمَوَّلٌ كُلِّيٌّ حَاصِلٌ أَوْ مُقَدَّرٌ قَالَ فَخَرَجَ مَا أَمْكَنَ حُصُولُهُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ، وَلَايَةٍ أَوْ وُجُوبِ حَقٍّ فِي قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ مُتَمَوَّلًا إذْ لَا يُسَمَّى ذَلِكَ فِي الْعُرْفِ ذِمَّةً اهـ وَقَالَ الْحَطَّابُ الذِّمَّةُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ يَفْرِضُهُ الذِّهْنُ لَيْسَ ذَاتًا وَلَا صِفَةً لَهَا فَيُقَدَّرُ الْمَبِيعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَثْمَانِ كَأَنَّهُ فِي وِعَاءٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ مَطْلُوبٌ بِهِ، فَالذِّمَّةُ هِيَ الْأَمْرُ التَّقْدِيرِيُّ الَّذِي يَحْوِي ذَلِكَ الْمَبِيعَ أَوْ عِوَضَهُ اهـ وَقَدْ قُلْت فِي تَعْرِيفِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا قَالَ الْحَطَّابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>