للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَيْئًا مِنْ الْكِرَاءِ فَإِنْ دَفَعَ شَيْئًا لَزِمَهُمَا مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْمُدَّةِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِغَيْرِ الْأَرْضِ وَإِلَى جَوَازِ هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَجَائِزٌ أَنْ يُكْتَرَى بِقَدْرِ ... مُعَيَّنٍ فِي الْعَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ

وَإِلَى عَدَمِ اللُّزُومِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُلَّ مَا انْعَقَدْ كَانَ لَهُ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: " مَا لَمْ يَحُدَّا بِعَدَدْ " فَمُسْتَغْنًى عَنْهُ لِأَنَّهُمَا إذَا حَدَّا الْمُدَّةَ بِعَدَدٍ شُهُورٍ أَوْ سِنِينَ فَهُوَ رَاجِعٌ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَإِلَى لُزُومِ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَحَيْثُمَا حَلَّ الْكِرَا يَدْفَعُ مَنْ ... قَدْ اكْتَرَى مِنْهُ بِقَدْرِ مَا سَكَنْ

وَإِلَى لُزُومِ مُدَّةِ قَدْرِ مَا نَقَدَ مِنْ الْكِرَاءِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

كَذَاكَ إنْ بَعْضُ الْكِرَاءِ قُدِّمَا ... فَقَدْرُهُ مِنْ الزَّمَانِ لَزِمَا

(الْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَقَلُّ مَا سَمَّيَا فَإِنْ قَالَا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا لَزِمَ فِي شَهْرٍ وَإِنْ قَالَا لِكُلِّ سَنَةٍ كَذَا لَزِمَ فِي سَنَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا بَيْنَهُمَا عَقْدًا وَلَمْ يَجْعَلَا فِيهِ خِيَارًا فَوَاجِبٌ أَنْ يَحْمِلَا عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السُّكْنَى فَيَلْزَمَهُ أَقَلُّ مَا سَمَّى كَالْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى لَفْظُ التَّوْضِيحِ قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ - سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِمَنِّهِ -: وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا وَإِنَّ مَنْ اكْتَرَى مُشَاهَرَةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا إذَا سَكَنَ بَعْضَ الشَّهْرِ كَأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَنَحْوِهَا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا بَقِيَّةُ الشَّهْرِ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا خُرُوجٌ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ وَمَنْ قَامَ مِنْهُمَا عِنْدَ رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

(قَالَ فِي الْمُفِيدِ مِنْ الْكَافِي) : وَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِ جَازَ فِيهِ الْكِرَاءُ مِنْ الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ، وَسَائِرِ الرِّبَاعِ، وَالْأَرَضِينَ، وَالرَّقِيقِ، وَالدَّوَابِّ، وَسَائِرِ الْعُرُوضِ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ اكْتِرَاءُ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ فَإِنْ نَزَلَتْ فِيهَا الْإِجَارَةُ إلَى مُدَّةٍ كَانَتْ قَرْضًا إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَسَقَطَتْ فِيهَا عَنْ مُسْتَأْجِرِهَا الْأُجْرَةُ وَمَعْنَى الْكِرَاءِ: بَيْعُ الْمَنَافِعِ الطَّارِئَةِ عَنْ الرِّقَابِ مَعَ السَّاعَاتِ، وَالْأَيَّامِ، وَالشُّهُورِ، وَالْأَعْوَامِ دُونَ الرِّقَابِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مَأْمُونًا فِي الْأَغْلَبِ، وَالْكِرَاءُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنْ الْعُقُودِ الثَّابِتَةِ لَا يَنْقُضُهَا مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَكَارِيَيْنِ وَوَرَثَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَقُومُ مَقَامَهُ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْقُضُ عَقْدُ الْبَيْعِ الْكِرَاءَ اهـ.

(وَفِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) عَقْدُ الْكِرَاءِ فِي الدُّورِ، وَالْحَوَانِيتِ وَالرِّبَاعِ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعْيِينُ الْمُدَّةِ، وَتَسْمِيَةُ الْكِرَاءِ، وَالثَّانِي تَسْمِيَةُ الْكِرَاءِ لِكُلِّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ، وَإِبْهَامُ الْمُدَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْكِرَاءَ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ يُسَمَّى كِرَاءَ الْوَجِيبَةِ، وَالْوَجِيبَةُ الْمُدَّةُ الْمُعَيَّنَةُ هَذَا اصْطِلَاحُ الْقُدَمَاءِ وَأَهْلُ زَمَانِنَا الْيَوْمَ يُطْلِقُونَ الْوَجِيبَةَ عَلَى الْأُجْرَةِ الْمَدْفُوعَةِ فِي الْمَنَافِعِ فَيَقُولُ الْمُوَثِّقُ اكْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ جَمِيعَ الدَّارِ مَثَلًا بِوَجِيبَةٍ قَدْرُهَا لِكُلِّ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا دَرَاهِمَ تَارِيخَهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسَمَّى كِرَاءَ الْمُشَاهَرَةِ، وَالْمُسَانَهَةِ.

وَشَرْطُ مَا فِي الدَّارِ مِنْ نَوْعِ الثَّمَرْ ... إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِيهِ مُعْتَبَرْ

وَغَيْرُ بَادِي الطِّيبِ إنْ قَلَّ اشْتُرِطْ ... حَيْثُ يَطِيبُ قَبْلَ مَا لَهُ ارْتُبِطْ

وَمَا كَنَحْلٍ أَوْ حَمَامٍ مُطْلَقًا ... دُخُولُهُ فِي الِاكْتِرَاءِ مُتَّقَى

تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَنْ اكْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا وَفِيهَا أَشْجَارٌ أَوْ فِي كَوَى الدَّارِ نَحْلٌ أَوْ حَمَامٌ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي أَنْ يَشْتَرِطَ ثِمَارَ الْأَشْجَارِ، أَوْ النَّحْلِ، أَوْ الْحَمَامِ لِنَفْسِهِ أَمْ لَا فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الثِّمَارِ تَفْصِيلًا وَهُوَ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ عَقْدِ الْكِرَاءِ قَدْ بَدَا صَلَاحُهَا، وَجَازَ بَيْعُهَا، فَيَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُهَا كَثِيرَةً كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً لِأَنَّ غَايَةَ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ لِلثِّمَارِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَهُوَ جَائِزٌ وَاجْتَمَعَ فِي الْعَقْدِ الْوَاحِدِ بَيْعٌ وَكِرَاءٌ وَاجْتِمَاعُهُمَا جَائِزٌ وَإِلَى هَذَا الطَّرَفِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ فِيهَا ثِمَارٌ لَمْ تَطِبْ أَوْ لَيْسَ فِيهَا ثِمَارٌ أَصْلًا فَيَجُوزُ لِلْمُكْتَرِي اشْتِرَاطُهَا لِنَفْسِهِ لَكِنْ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ ذَكَر

<<  <  ج: ص:  >  >>