للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَمَلِ آدَمِيٍّ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ فَقَوْلُهُ عَلَى عَمَلِ آدَمِيٍّ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ وَالسُّفُنِ وَكِرَاءَ الْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ يَجِبُ عِوَضُهُ بِتَمَامِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْقِرَاضَ لِعَدَمِ وُجُوبِ عِوَضِهِ لِجَوَازِ تَجْرِهِ وَلَا رِبْحَ، وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ بِهِ الْمُسَاقَاةُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْحَرْثِ لِجَوَازِ عَدَمِ الْغَلَّةِ، وَعَدَمِ الزَّرْعِ، وَقَوْلُهُ لَا بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ، وَالْمُسَاقَاةَ فَإِنَّهُ إنْ تُرِكَ لَهُ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَفِي الْجُعْلِ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ.

الْجُعْلُ عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يَلْزَمُ ... لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ

وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ ... شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ

كَالْحَفْرِ لِلْبِئْرِ وَرَدِّ الْآبِقِ ... وَلَا يُحَدُّ بِزَمَانٍ لَاحِقِ

يَعْنِي أَنَّ الْجُعْلَ عَقْدٌ جَائِزٌ، أَيْ غَيْرُ لَازِمٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعَ عَنْهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فَقَوْلُهُ: " لَا يَلْزَمُ " هُوَ تَفْسِيرٌ لِجَائِزٍ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَسْتَلْزِمُ مَصْلَحَةً مَعَ اللُّزُومِ بَلْ مَعَ الْجَوَازِ عَدَمُ اللُّزُومِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْجِعَالَةُ، وَالْقِرَاضُ، وَالْمُغَارَسَةُ، وَالْوِكَالَةُ، وَتَحْكِيمُ الْحَاكِمِ مَا لَمْ يَشْرَعَا فِي الْخُصُومَةِ فَإِنَّ الْجِعَالَةَ لَوْ شُرِعَتْ لَازِمَةً مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَطَّلِعُ عَلَى فَرْطِ بُعْدِ مَكَانِ الْآبِقِ أَوْ عَدَمِهِ مَعَ دُخُولِهِ عَلَى الْجِعَالَةِ بِمَكَانَةٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ فَجُعِلَتْ جَائِزَةً لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْجَهَالَةُ بِالْمَكَانِ وَاللُّزُومُ وَهُمَا مُتَنَافِيَانِ، ثُمَّ عَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْمِائَتَيْنِ وَقَسَّمَ هُنَالِكَ الْعُقُودَ إلَى قِسْمَيْنِ: مُسْتَلْزِمٌ لِمَصْلَحَةٍ عِنْدَ الْعَقْدِ فَشَرَعَهُ عَلَى اللُّزُومِ تَحْصِيلًا لِلْمَصْلَحَةِ، وَتَرْتِيبًا لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ الْأَصْلُ كَالْبَيْعِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ، فَشَرَعَهُ عَلَى الْجَوَازِ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ تَظْهَرُ أَمَارَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا يَضُرُّهُ، وَلَا يَجْرِي لَهُ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ الْمَنْجُورُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الْمَنْهَجُ كَذَا اللُّزُومُ فِي الْعُقُودِ أَصْلٌ إلَخْ، فَرَاجِعْ أَيَّهُمَا يَتَيَسَّرُ لَك، وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَابِعًا لِغَيْرِهِ الْعُقُودَ إلَى: مَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَمَا لَا يَلْزَمُ وَمَا فِيهِ خِلَافٌ وَنَظَمَ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ فَقَالَ:

أَرْبَعَةٌ بِالْقَوْلِ عَقْدُهَا فِرَا ... بَيْعٌ نِكَاحٌ وَسِقَاءٌ وَكِرَا

لَا الْجُعْلُ، وَالْقِرَاضُ، وَالتَّوْكِيلُ ... وَالْحُكْمُ فَالْفِعْلُ بِهَا كَفِيلُ

لَكِنَّ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ

وَفِرَا آخِرَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ: قَطْعٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ اللُّزُومُ، وَانْقِطَاعُ التَّشَوُّفِ لِلْحِلِّ وَمِنْهُ فَرَى الْأَوْدَاجَ أَيْ قَطَعَهَا. وَقَوْلُهُ:

لَكِنْ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ يُحْكَمُ

يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ لُزُومِهِ إنَّمَا هُوَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، أَمَّا بَعْدَهُ، فَيُحْكَمُ بِلُزُومِهِ وَلَكِنَّ لُزُومَهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَاعِلِ، أَمَّا الْمَجْعُولُ لَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ شَرَعَ فَلَهُ التَّرْكُ مَتَى شَاءَ فَإِذَا تَرَكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْجُعْلِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ: " وَلَزِمَتْ الْجَاعِلَ بِالشُّرُوعِ ".

(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : " لِلْجَاعِلِ أَنْ يَفْسَخَ الْجِعَالَةَ إذَا لَمْ يَشْرَعْ الْمَجْعُولُ لَهُ فِي الْعَمَلِ، وَأَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. " وَأَمَّا الْعَامِلُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ أَنْ يَدَعَ الْجِعَالَةَ مَتَى شَاءَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَوْلُهُ:

وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ مِمَّا يُجْعَلُ ... شَيْئًا سِوَى إذَا يَتِمُّ الْعَمَلُ

يَعْنِي أَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهُ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَيْسَ كَالْإِجَارَةِ الَّتِي لَهُ فِيهَا بِحِسَابِ مَا عَمِلَ وَكَوْنُهُ لَا شَيْءَ لَهُ إلَّا بِالتَّمَامِ هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ مَا عَمِلَهُ لَا انْتِفَاعَ بِهِ لِلْجَاعِلِ أَمَّا مَا لَهُ بِهِ انْتِفَاعٌ فَلَهُ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ.

(قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : قَالَ مَالِكٌ: " وَالْجُعَلُ يَدَعُهُ الْعَامِلُ مَتَى شَاءَ وَلَا شَيْءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>