للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ كَيْفَ تُحَازُ؟ قَالَ: يَضَعُهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهَا مِثْلَ الْعُرُوضِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ وَيُشْهِدُ أَنَّهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ؟ فَقَالَ: هُوَ لِلِابْنِ وَلَا يَدْخُلُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ اهـ.

وَجْهُ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ وَهَبَهُ الثَّمَنَ، ثُمَّ اشْتَرَى لَهُ بِهِ الْعَبْدَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: أَنَّ ابْنَ دَحُونَ سَأَلَ ابْنَ زَرْبٍ عَمَّنْ ابْتَاعَ لِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ دَارًا بِمَالٍ وَهَبَهُ لَهُ ثُمَّ بَلَغَ الِابْنُ وَمَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَقْبِضْ الِابْنُ الدَّارَ هَلْ تَنْفُذُ لَهُ أَمْ يَبْطُلُ أَمْرُهَا؟ قَالَ: لَا تَبْطُلُ، وَقَدْ تَمَّتْ الْحِيَازَةُ لِلْهِبَةِ بِالِابْتِيَاعِ لِلدَّارِ اهـ.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَلِيهَا مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاءِ لِلْوَلَدِ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَأَمَّا هِبَةُ دَارِ السُّكْنَى لِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَفِي وَثَائِقِ الْبَاجِيِّ إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ فِي دَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ فَلَا تَجُوزُ حَتَّى يُخْلِيَهَا الْأَبُ مِنْ أَهْلِهِ وَثِقْلِهِ وَتَكُونُ فَارِغَةً، وَيُكْرِيهَا لِلِابْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الصَّدَقَةُ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَقَدْ قِيلَ إذَا بَقِيَ خَارِجًا عَنْهَا سَنَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهَا أَوْ أَكْرَاهَا مِنْ نَفْسِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى رِوَايَةِ عِيسَى (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي فِي حِجْرِهِ بِدَارٍ يَسْكُنُهَا الْأَبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ إخْلَائِهَا مِنْ نَفْسِهِ وَثِقْلِهِ وَأَهْلِهِ وَتُعَايِنُهَا الْبَيِّنَةُ خَالِيَةً فَارِغَةً مِنْ أَثْقَالِهَا، وَيُكْرِيهَا الْأَبُ لِلِابْنِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ مَضَتْ سَنَةٌ، فَلَا بَأْسَ بِعَوْدَةِ الْأَبِ إلَى سُكْنَاهَا، وَيُكْرِيهَا الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْمُتَيْطِيّ فِي قَوْلِهِ: وَيُكْرِيهَا الْأَبُ مِنْ نَفْسِهِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيمًا، وَاخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ بِغَرْنَاطَةَ فَمِنْ مَانِعٍ وَمِنْ مُجِيزٍ.

وَسُئِلَ عَنْهَا الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيُّ فِي رَجُلٍ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ فَدَّانًا وَحَازَهُ لَهُ نَفْسه كَمَا يَجِبُ ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَكْرَى لِنَفْسِهِ عَلَى ابْنِهِ الْفَدَّانَ الْمَذْكُورَ قَبْلَهُ بِكَذَا وَكَذَا فِي الْعَامِ بِتَقْوِيمِ أَرْبَابِ الْبَصَرِ أَنَّ الْكِرَاءَ الَّذِي ذَكَرَ هُوَ كِرَاءُ مِثْلِ الْفَدَّانِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ الْوَاهِبُ، فَهَلْ تَصِحُّ الْهِبَةُ أَمْ تَبْطُلُ؟ فَأَجَابَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ تَمَادَى عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ بِغَيْرِ حِيَازَةٍ لَا تَعْيِينِ كِرَاءٍ مَا ضَرَّ ذَلِكَ فِي الْحِيَازَةِ فَأُجْرِيَ مَعَ الْحِيَازَةِ وَتَعْيِينِ الْكِرَاءِ، فَإِنَّ حِيَازَةَ هَذَا يَكْفِي فِيهَا الْإِشْهَادُ خَاصَّةً خِلَافَ حِيَازَةِ الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُحْتَاجُ إلَى شَيْءٍ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ: هُوَ كَحِيَازَةِ الْمَسْكُونِ وَالْمَلْبُوسِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَكْرَاهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَبْطُلْ بِخِلَافِ الرَّهْنِ، فَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. حَكَى هَذَا الْكَلَامَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ عَبْدِ الْمَلِكِ زُونَانَ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَفِي غَيْرِهِ وَكَتَبَ مُسَلِّمًا عَلَيْكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْعَبْدُوسِيُّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ.

وَمَنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَمَا قَبَضْ ... مُعْطَاهُ مُطْلَقًا لِتَفْرِيطٍ عَرَضْ

يَبْطُلُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافِ ... إنْ فَاتَهُ فِي ذَلِكَ التَّلَافِي

يَعْنِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ قَبْضُهُ وَحِيَازَتُهُ لِمَا أُعْطِيَهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ ذَلِكَ؛ لِتَفْرِيطِهِ فِي قَبْضِهِ وَتَرْكِهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَقَبَضَهُ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ فَإِنْ فَاتَهُ تَلَافِي الْقَبْضِ، وَاسْتَدْرَكَهُ لِمَوْتِ الْمُعْطِي أَوْ تَفْلِيسِهِ أَوْ فَوْتِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمُفِيتَةِ لَهُ، كَأَنْ يَهَبَهُ الْوَاهِبُ لِرَجُلٍ آخَرَ وَقَبَضَهُ هَذَا الثَّانِي فَإِنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ يَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ:

إنْ فَاتَهُ فِي ذَلِكَ التَّلَافِي

أَنَّهُ إنْ لَمْ يَفُتْهُ التَّلَافِي؛ لِكَوْنِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ

<<  <  ج: ص:  >  >>