للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا اعْتِصَارَ مَعَ مَوْتٍ أَوْ مَرَضْ ... لَهُ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ دَيْنٍ عَرَضْ

وَفَقْرُ مَوْهُوبٍ لَهُ مَا كَانَا ... لِمَنْعِ الِاعْتِصَارِ قَدْ أَبَانَا

ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ مَوَانِعَ الِاعْتِصَارِ يَمْنَعُ مِنْهُ مَوْتُ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مَرَضُهُ الْمُسْتَمِرُّ لِلْمَوْتِ وَنِكَاحُهُ وَأَخْذُهُ لِلدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ وَمَا بَعْدَهُ حَادِثًا عَارِضًا بَعْدَ الْهِبَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: عَرَضْ، أَمَّا إنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَقْتَهَا مَرِيضًا أَوْ مُتَزَوِّجًا أَوْ مَدِينًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ وَكَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْهُ فَقْرُ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَا كَانَ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا لِأَنَّ فَقْرَهُ قَرِينَةُ إرَادَةِ الصَّدَقَةِ (قَالَ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا) قَالَ مُحَمَّدٌ: مِنْ أَصْلِ قَوْلِهِمْ: أَنَّ كُلَّ وَاهِبٍ هِبَةً، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَصِرَهَا، وَلَا يَرْجِعَ فِيهَا حَاشَا الْأَبِ وَالْأُمِّ فِيمَا وَهَبَا لِأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّ الِاعْتِصَارَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ جَائِزٌ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ التَّفْسِيرِ.

أَمَّا الْوَالِدُ فَيَجُوزُ لَهُ اعْتِصَارُ مَا وَهَبَ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ، كَانَ لِلْوَلَدِ أُمٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَسْتَحْدِثْ الْوَلَدُ دَيْنًا أَوْ يَنْكِحْ أَوْ يَطَأْ، إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ جَارِيَةً أَوْ يَبِيعُ الْهِبَةَ أَوْ يَمْرَضُ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْأَبِ الِاعْتِصَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فَوْتٌ لِلْهِبَةِ، وَإِنَّمَا يَعْتَصِرُ مَا لَمْ يَفُتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَهَبَ لَهُ وَقَدْ اسْتَدَانَ أَوْ نَكَحَ أَوْ مَرِضَ، فَيَجُوزُ لَهُ الِاعْتِصَارُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُدَايَنْ وَلَمْ يَنْكِحْ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ (وَفِي الْمُقَرِّبِ) قُلْتُ: فَمَنْ وَهَبَ لِأَوْلَادٍ لَهُ صِغَارٍ هِبَةً وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُمْ فَبَلَغُوا وَلَمْ يُحْدِثُوا دَيْنًا وَلَا نَكَحُوا، فَأَرَادَ الْأَبُ أَنْ يَعْتَصِرَ هِبَتَهُ قَالَ: ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهُمْ وَهُمْ كِبَارٌ فَلَهُ أَنْ يَعْتَصِرَ هِبَتَهُ، مَا لَمْ يَسْتَحْدِثُوا دَيْنًا أَوْ يَنْكِحُوا، وَالْعَطِيَّةُ وَالنَّحْلُ فِي الِاعْتِصَارِ بِمَنْزِلَةِ الْهِبَةِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) وَإِذَا كَانَتْ هِبَةُ الْأَبَوَيْنِ عَلَى فَقِيرٍ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ يَعْتَصِرَانِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ وَهَبَ عَلَى فَقِيرٍ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ صِلَتَهُ وَالْأَجْرَ. انْتَهَى.

(فَرْعٌ) وَكَمَا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ مَرَضُ الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، كَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مَرَضُ الْوَاهِبِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَلَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا فَكَذَلِكَ، وَرَوَى أَشْهَبُ إنْ مَرِضَ الْأَبُ فَلَهُ، وَقَالَ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ (التَّوْضِيحُ) قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا: أَيْ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ، أَيْ بِفَوْتِ الِاعْتِصَارِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: فِي الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَرِضَ الْوَاهِبُ فَاعْتِصَارُهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْوَارِثُ وَإِنْ مَرِضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْوَرَثَةِ بِهِ وَرَوَى أَشْهَبُ إنْ مَرِضَ الْأَبُ فَلَهُ الِاعْتِصَارُ دُونَ الْعَكْسِ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ إنْ شِئْت وَإِنَّمَا شَرَحْنَا قَوْلَ النَّاظِمِ أَوْ مَرِضَ بِمَرَضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَرَضُ الْوَاهِبِ مَانِعًا مِنْ الِاعْتِصَارِ أَيْضًا لِقِرَانِهِ بِالنِّكَاحِ وَالدَّيْنِ، وَلَا يَمْنَعَانِ إلَّا مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ نَحَلَ ابْنَتَهُ نِحْلَةً فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ فَقَدْ انْقَطَعَ الِاعْتِصَارُ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَعُودُ، بَنَى بِهَا أَمْ لَا وَكَذَلِكَ مَنْ نَكَحَ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ أَوْ دَايَنَ ثُمَّ زَالَ الدَّيْنُ أَوْ زَالَتْ الْعِصْمَةُ، فَلَا اعْتِصَارَ لَهَا نَقَلَهُ الْمَوَّاق ثُمَّ قَالَ أَصْبَغُ: إذَا امْتَنَعَ الِاعْتِصَارُ بِمَرَضِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِنِكَاحِ الْوَلَدِ أَوْ بِدَيْنٍ، ثُمَّ زَالَ الْمَرَضُ وَالدَّيْنُ وَالنِّكَاحُ فَلَا اعْتِصَارَ وَإِذَا زَالَتْ الْعُصْرَةُ يَوْمًا فَلَا تَعُودُ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ دِينَارٍ إذَا صَحَّ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى رَجَعَتْ الْعُصْرَةُ، كَمَا تَنْطَلِقُ يَدُهُ فِي مَالِهِ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَةِ الْعِلَّةُ إذَا زَالَتْ هَلْ يَزُولُ الْحُكْمُ بِزَوَالِهَا أَمْ لَا

وَمَا اعْتِصَارُ بَيْعُ شَيْءٍ قَدْ وُهِبْ ... مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ بِهِ كَمَا يَجِبْ

لَكِنَّهُ يُعَدُّ مَهْمَا صَيَّرَا ... ذَاكَ لِمَوْهُوبٍ لَهُ مُعْتَصَرَا

وَقِيلَ بَلْ يَصِحُّ إنْ مَالٌ شُهِرْ ... لَهُ وَإِلَّا فَلِحَوْزٍ يَفْتَقِرْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِابْنِهِ أَوْ ابْنَتِهِ، ثُمَّ إنَّهُ بَاعَ الْهِبَةَ بِاسْمِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يُشْهَدْ بِأَنَّ ذَلِكَ اعْتِصَارٌ، فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يُعَدُّ اعْتِصَارًا، بَلْ يُحْمَلُ أَنَّهُ رَأَى الْبَيْعَ أَوْلَى لِغِبْطَةٍ فِي الثَّمَنِ، أَوْ لِخَوْفِ فَسَادٍ يَلْحَقُ تِلْكَ الْهِبَةَ وَنَحْو ذَلِكَ، وَيَكُونُ ثَمَنُ الْهِبَةِ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْأَبِ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِمُوجِبٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمَا اعْتِصَارٌ الْبَيْتَ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ بِهِ أَيْ بِالِاعْتِصَارِ أَنَّهُ إذَا أَشْهَدَ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَهُ أَنَّهُ اعْتَصَرَ ذَلِكَ، فَذَلِكَ اعْتِصَارٌ وَلَا إشْكَالَ فَقَوْلُهُ وَمَا اعْتِصَارٌ مَا نَافِيَةٌ وَاعْتِصَارٌ: مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ تَقَدُّمُ النَّفْيِ وَبَيْعٌ: خَبَرُهُ وَجُمْلَةُ قَدْ وُهِبَ: بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ صِفَةٌ لِشَيْءٍ وَضَمِيرُ بِهِ لِلِاعْتِصَارِ.

(قَالَ ابْنُ عَاتٍ فِي طُرُرِهِ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشُّورَى) مَنْ وَهَبَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ هِبَةً وَسَلَّطَ عَلَيْهَا شَرْطَ الِاعْتِصَارِ ثُمَّ بَاعَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>