للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُشْتَرٍ وَحَائِزٌ مَا سَاقَ مَنْ ... أُمِّنَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالثَّمَنْ

يَعْنِي أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا قَدِمَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ، وَفِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فَبَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَلَيْسَ لِمَالِكِهِ الْمُسْلِمِ نَزْعُهُ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهِ أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِالثَّمَنِ، وَلَا بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ وَهِيَ مَا قَدِمُوا بِهِ لِبَلَدِنَا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ لِبَلَدِهِمْ، وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُمْ أَوْ وَهَبُوهُ لَهُ، وَقَدِمَ بِهِ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، وَمِمَّنْ وُهِبَ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ.

(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: عَلَى أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ أَحَدٌ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِرَبِّهِ أَخْذُهُ، وَلَوْ بِالثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا يَشْتَرِيه مِنْ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ وُهِبَ عَبِيدَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، فَقَدِمَ بِهِمْ كَانَ لِرَبِّهِمْ أَخْذُهُمْ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، وَاَلَّذِي قَدِمَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَوْ وَهَبَهُمْ لِأَحَدٍ لَمْ يَأْخُذْهُمْ سَيِّدُهُمْ. اهـ. فَقَوْلُهُ: إذَا اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَأْمَنِ أَيْ اشْتَرَى مِنْهُ فِي بَلَدِنَا، وَلِذَلِكَ سَمَّاهُ مُسْتَأْمَنًا، وَقَابَلَهُ بِالْمُشْتَرِي مِنْ الْحَرْبِيِّ بِبَلَدِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ: عَبِيدًا لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْعَبِيدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنَّمَا هُوَ فَرْضُ مِثَالٍ، وَفِي الشَّارِحِ عَنْ الْمُقَرَّبِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ دَخَلَ إلَيْنَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَعَهُ عَبِيدٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، كَانَ الْعَدُوُّ قَدْ أَسَرَهُمْ، لَمْ يُؤْخَذُوا مِنْهُ لَا بِالثَّمَنِ وَلَا بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا دَخَلَ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ بِيَدِهِ لِمُسْلِمٍ، وَإِنْ بَاعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ نَفَذَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَى رَأْسٍ مِنْ أَهْلِ ذِمَّتِنَا كَانُوا رَقِيقًا لَهُمْ، وَأَهْلُ ذِمَّتِنَا فِي هَذَا كَعَبِيدِنَا. اهـ.

فَقَوْلُهُ: وَإِنْ بَاعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ، هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ، وَتَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْهِبَةِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ آخِرَ كَلَامِ التَّوْضِيحِ الْمَنْقُولِ آنِفًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ أَوْ وَهَبُوهُ بِبَلَدِهِمْ، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ دَخَلْت إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ فَابْتَعْتَ عَبْدَ الْمُسْلِمِ مِنْ حَرْبِيٍّ أَسَرَهُ وَأَبَقَ إلَيْهِ أَوْ وَهَبَهُ لَك الْحَرْبِيُّ وَكَافَأْتَهُ عَلَيْهِ فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْكَ مَا أَدَّيْتَ فِيهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ تُثِبْ وَاهِبَكَ أَخَذَهُ رَبُّهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. اهـ.

عَلَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ فَقَوْلُ النَّاظِمِ: مَا سَاقَ، مَا: اسْمُ مَوْصُولٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ يَتَنَازَعُ فِيهِ مُشْتَرٍ وَحَائِزٌ وَقَوْلُهُ: وَحَائِزٌ: أَيْ بِغَيْرِ شِرَاءٍ وَهُوَ الْمَوْهُوبُ لَهُ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ سَاقَهُ مِنْ فَاعِلِ سَاقَ وَأُمِّنَ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ مَكْسُورَةً صِلَةُ مَنْ وَجُمْلَةُ لَا يُؤْخَذُ: خَبَرُ مُشْتَرٍ وَبِالثَّمَنِ: يَتَعَلَّقُ بِيُؤْخَذْ الْمَنْفِيِّ

وَيُؤْخَذُ الْمَأْخُوذُ مِنْ لِصٍّ بِلَا ... شَيْءٍ وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ وَجَدَ مَالَ غَيْرِهِ بِيَدِ لِصٍّ، فَأَخَذَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لِيَرُدَّهُ لِرَبِّهِ، فَإِنَّ لِرَبِّهِ أَخْذَهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ مِنْ اللِّصِّ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَيْضًا، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَيُؤْخَذُ الْمَأْخُوذُ مِنْ لِصٍّ بِلَا

شَيْءٍ، وَأَمَّا إنْ أَخَذَهُ مِنْ اللِّصِّ بِفِدَاءٍ وَعِوَضٍ، فَلَا يَأْخُذُهُ رَبُّهُ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضَ الَّذِي فَدَاهُ بِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَمَا يُفْدَى بِمَا قَدْ بَذَلَا (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ، فَلَهُ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ فَإِنْ فُدِيَ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ أَدَاءُ مَا فُدِيَ بِهِ. اهـ.

(الْمَوَّاقُ) عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ فِي رُجُوعِ مَنْ فَدَى مَا بِيَدِ لِصٍّ بِفِدَائِهِ عَلَى رَبِّهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) كَثِيرٌ عُرُوضُ هَذِهِ النَّازِلَةِ بِإِقْلِيمِنَا، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ فِدَاهُ بِحَيْثُ يُرْجَى لِرَبِّهِ خَلَاصُهُ مِنْ اللِّصِّ بِأَمْرٍ حِرْمَانُ فَادِيهِ، وَمَا ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ إلَّا أَخْذَهُ بِالْفِدَاءِ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِابْنِ نَاجِي وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَا فُدِيَ مِنْ أَيْدِي اللُّصُوصِ هَلْ يَأْخُذُهُ رَبُّهُ مَجَّانًا أَوْ بِالثَّمَنِ الَّذِي فَدَاهُ؟ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يُرْتَضَى مِنْ شُيُوخِنَا لِكَثْرَةِ النَّهْبِ فِي بِلَادِنَا، فَيَحِلُّ مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ الْأَعْرَابِ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُونَ فِيهِ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ، فَيَفْتَدِي مِنْ أَيْدِيهمْ مِنْ بَعْضِ مَا يَنْتَهِبُونَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، فَلَوْ أَخَذَهُ مَالِكُهُ مِنْ يَدِ مَنْ فَدَاهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَانَ سَدًّا لِهَذَا الْبَابِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ.

(قُلْت) : وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّبِينِيُّ يُفْتِي، وَيُوَجِّهُهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَائِلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّهَا يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادَ مَنْ ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي (قَالَ ابْنُ هَارُونَ) : وَالْقَوْلَانِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْفِدَاءَ لِرَبِّهِ وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>