للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ]

ِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) هِيَ مُشَدَّدَةُ الْيَاءِ الْجَوْهَرِيُّ، وَكَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَأُنْكِرَ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ كَوْنُهَا مَنْسُوبَةً إلَى الْعَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ؛ لَقَالُوا يَتَعَيَّرُونَ؛ لِأَنَّ الْعَارَ عَيْنُهُ يَاءٌ وَالْعَارِيَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُعَاوَرَةِ وَهِيَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ يُقَالُ: هُمْ يَتَعَاوَرُونَ مِنْ جِيرَانِهِمْ، أَيْ يَأْخُذُونَ، وَيُعْطُونَ. اهـ. وَانْظُرْ الرَّصَّاعَ فَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَ الْجَوْهَرِيِّ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا، وَحَدَّهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: مَصْدَرًا أَوْ اسْمًا عَلَى عَادَتِهِ: إذَا كَانَ لِلْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ مَعْنَيَانِ، فَالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ لَا بِعِوَضٍ، فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: مَنْفَعَةٍ تَمْلِيكُ الذَّوَاتِ، مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ الْحَقِيقِيَّ فِي الذَّوَاتِ لَيْسَ إلَّا لِخَالِقِهَا، وَلَكِنْ الْقَصْدُ كَمَالُ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ، وَيَخْرُجُ بِالْمَنْفَعَةِ تَمْلِيكُ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ فِيهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الِانْتِفَاعِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مُؤَقَّتَةٍ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الْمُطْلَقَةِ، كَمَا إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ مَنْفَعَةَ نَفْسِهِ وَوَهَبَهَا إيَّاهُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِعَارِيَّةٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْحَبْسُ بِذَلِكَ لِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْحَبْسَ فِيهِ مِلْكُ الِانْتِفَاعِ لَا الْمَنْفَعَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ أَيْضًا. وَقَوْلُهُ: لَا بِعِوَضٍ أَخْرَجَ بِهِ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَيَعْنِي بِالتَّوْقِيتِ، إمَّا لَفْظًا أَوْ عَادَةً وَلَا تَدْخُلُ الْعُمْرَى وَالْإِخْدَامُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعَارِيَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَأَمَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ فَتَدْخُلَانِ اُنْظُرْ الرَّصَّاعَ، وَأَمَّا حَدُّهَا اسْمًا، فَهِيَ مَالٌ ذُو مَنْفَعَةٍ مُؤَقَّتَةٍ مُلِكَتْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوَدِيعَةِ وَالْأُمَنَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَمَا اُسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجِبُ ... وَمَا ضَمَانُ الْمُسْتَعِيرِ يَجِبُ

إلَّا بِقَابِلِ الْمَغِيبِ لَمْ يُقِمْ ... بَيِّنَةً عَلَيْهِ أَنَّهُ عُدِمْ

أَوْ مَا الْمُعَارُ فِيهِ قَدْ تَحَقَّقَا ... تَعَدٍّ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ مُطْلَقَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ شَيْئًا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِرَبِّهِ يَعْنِي بَعْدَ مُضِيِّ مَا يُعَارُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِمِثْلِهِ مِنْ الزَّمَانِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» أَيْ يَجِبُ رَدُّهَا وَتَأْدِيَتُهَا لِصَاحِبِهَا بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُهَا الْمُسْتَعِيرُ عِنْدَهُ بَعْدَ أَنْ قَضَى إرْبَهُ مِنْهَا، حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهَا إلَيْهَا، بَلْ تَكُونُ مُؤْنَةُ رَدِّهَا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَهُوَ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>