للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي إذَا أَنَفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ وَلِلِابْنِ وَقْتَ إنْفَاقِ أَبِيهِ عَلَيْهِ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ الْمُنْفِقُ فَطَالَبَ بَقِيَّةُ وَرَثَةِ الْأَبِ الِابْنَ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ فَلَا يَخْلُو مَالُ الِابْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَفِي كُلٍّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ الِابْنِ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ أَمْ لَا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ فَإِنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا وَوُجِدَ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْوَالِدِ مَالَ وَلَدِهِ الْعَيْنَ مَعَ عَدَمِ كَتْبِ النَّفَقَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَبَرُّعِهِ عَلَيْهِ بِهَا لِسُهُولَةِ الْأَخْذِ مِنْ الْعَيْنِ لَوْ كَانَ قَصَدَ الْمُحَاسَبَةَ فَإِنْ أَوْصَى الْأَبُ بِمُحَاسَبَةِ الِابْنِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ.

وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ فَلَا إشْكَالَ فِي مُحَاسَبَتِهِ بِهَا لِأَنَّ كَتْبَ النَّفَقَةِ عَلَى الِابْنِ تَصْرِيحٌ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ وَهِيَ وُجُودُ الْمَالِ الْعَيْنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَمُتْ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ

الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، فَفَاعِلُ يَمُتْ يَعُودُ عَلَى الْأَبِ، وَجُمْلَةُ وَالْمَالُ عَيْنٌ بَاقِ: حَالِيَّةٌ، وَبَاقٍ: صِفَةُ عَيْنٍ أَيْ مَوْجُودٌ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَالْوَارِثُ فَاعِلُ طَالَبَ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ أَيْ: الِابْنُ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ وَجَمَعَ ضَمِيرَ لَهُمْ الْعَائِدَ عَلَى الْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ مَصْدُوقِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الْوَارِثِ وَاحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ، وَضَمِيرُ إلَيْهِ وَضَمِيرُ هُوَ لِلِابْنِ يَعُودَانِ عَلَى الْإِنْفَاقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْمُ الْمَفْعُولِ أَيْ: الْمَالُ الْمُنْفَقُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ مَالِ الِابْنِ عَيْنًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْهَدَ الْأَبُ بِعِمَارَةِ ذِمَّةِ نَفْسِهِ بِمَالِ وَلَدِهِ فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ كَالْحَاضِرِ الْمَوْجُودِ حِسًّا وَقَدْ قَدَّمَ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ لَمْ يُحَاسَبْ الِابْنُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِالْمُحَاسَبَةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ عَيْنًا وَرَسْمًا أَصْدَرَا

الْبَيْتَيْنِ

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُوجَدَ مَالُ الِابْنِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَا أَشْهَدَ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ عُلِمَ أَصْلُ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ الْأَبِ بِذَلِكَ بِلَا بَيِّنَةٍ مَثَلًا فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْوَارِثُ بِهَا وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ

الْبَيْتَيْنِ، فَاسْمُ يَكُنْ يَعُودُ عَلَى الْأَبِ وَمَفْعُولُ أَدْخَلَهُ يَعُودُ عَلَى مَالِ الِابْنِ الْعَيْنِ وَجُمْلَةُ أَعْمَلَهُ صِفَةُ إشْهَادٍ، وَجُمْلَةُ طُلِبَ صِفَةُ إنْفَاقٍ أَيْ: طُلِبَ مِنْ الِابْنِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِيمَا إذَا كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا إنْ وُجِدَ فِي التَّرِكَةِ لَمْ يُحَاسَبْ إلَّا إذَا أَوْصَى بِالْحِسَابِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنْ عَمَّرَ بِهِ الْأَبُ ذِمَّتَهُ لَمْ يُحَاسَبْ الِابْنُ وَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا حُوسِبَ.

وَأَمَّا إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَرَضًا كَأَنْ تَتْرُكَ أُمُّهُ أَثَاثًا وَلِبَاسًا وَفِرَاشًا فَيُوجَدُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ فَلِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْوَلَدِ بِالنَّفَقَةِ إلَّا إذَا أَوْصَى وَقَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ وَلَمْ يَكْتُبْ نَفَقَتَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَأَمَّا إنْ لَمْ يُوصِ فَيُحَاسَبُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَيْنِ إذَا وُجِدَتْ لَا يُحَاسَبُ وَبَيْنَ الْعَرَضِ فَيُحَاسَبُ أَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ الْعَيْنِ سَهْلَةٌ لَا كُلْفَةَ فِيهَا فَتَرْكُ الْأَخْذِ مِنْهَا دَلِيلُ إرَادَةِ التَّبَرُّعِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَرَضُ إذْ فِي بَيْعِهِ كُلْفَةٌ وَلَا سِيَّمَا بَعْضُ النَّاسِ يَأْنَفُونَ مِنْ الْبَيْعِ.

وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ فَلَا دَلِيلَ فِي بَقَائِهِ عَلَى إرَادَةِ التَّبَرُّعِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ عَرْضًا وَكَانَ عِنْدَهُ

الْبَيْتَيْنِ وَكَذَا إنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ حَيَوَانًا سَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا كَالرَّقِيقِ أَوْ غَيْرَ عَاقِلٍ كَالْأَنْعَامِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ أَيْضًا إلَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ نَفَقَةً فَلَا يُحَاسَبُ إذْ ذَاكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَكَالْعُرُوضِ الْحَيَوَانُ مُطْلَقَا ... فِيهِ الرُّجُوعُ بِاَلَّذِي قَدْ أَنْفَقَا

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَذْكُرْ النَّاظِمُ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَرَضُ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ وَلَمْ يَشْهَدْ بِعِمَارَةِ ذِمَّتِهِ بِثَمَنِهِ، وَالْحُكْمُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى مِمَّا إذَا وُجِدَ، وَانْظُرْ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ. قَوْلُهُ:

وَإِنْ يَكُنْ فِي مَالِهِ قَدْ أَدْخَلَهْ

عَلَى الْعَيْنِ وَالْعَرَضِ مَعًا فَيَكُونُ النَّاظِمُ اسْتَوْفَى الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ أَوَّلَ الْكَلَامِ فِي تَقْسِيمِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ الْأَبُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَدَخَلَ بِيَدِهِ.

وَأَمَّا مَا كَانَ لِلِابْنِ مِنْ مَالٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ وَلَا دَخَلَ بِيَدِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ

وَغَيْرُ مَقْبُوضٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ ... كَالْعَرْضِ فِي الرُّجُوعِ بِالْإِنْفَاقِ

يَعْنِي أَنَّ الْأَبَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى ابْنِهِ وَكَانَ لِلِابْنِ إذْ ذَاكَ مَالٌ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ وَلَا دَخَلَ يَدَهُ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>