للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاتَ الْأَبُ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِالنَّفَقَةِ كَمَا إذَا كَانَ مَالُهُ عَرَضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُحَاسَبُ إلَّا إذَا أَوْصَى بِعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ الَّذِي لَمْ يَقْبِضْهُ الْأَبُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْإِطْلَاقِ.

وَمَوْتُ الِابْنِ حُكْمُهُ كَمَوْتِ لَابْ ... وَقِيلَ فِي يُسْرِ أَبٍ حَلِفٌ وَجَبْ

لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى مَوْتِ الْأَبِ تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى مَوْتِ الِابْنِ فَأَخْبَرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّفْصِيلَ الْمُتَقَدِّمَ فِي مُحَاسَبَةِ الِابْنِ وَعَدَمِ مُحَاسَبَتِهِ يَجْرِي هُنَا أَيْضًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَمَوْتِ الْأَبِ، أَيْ: يَنْظُرُ إلَى مَالِ الِابْنِ فَإِمَّا عَيْنٌ أَوْ عَرَضٌ وَإِمَّا أَنْ يُوجَدَ فِي تَرِكَةِ الْأَبِ أَوْ لَا، أَجْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ مُوسِرًا فَلَا نَفَقَةَ لَهُ مِنْ مَالِ ابْنِهِ إلَّا إذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْآبَاءِ أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى بُنَيِّهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ.

قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) قَالَ مُحَمَّدٌ وَلِمَالِكٍ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَدُهُ وَقَدْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَتَقُومُ جَدَّتُهُ أَوْ أُمُّهُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ الْأَبُ قَدْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ فِي كَذَا وَكَذَا أَيَرَى عَلَيْهِ يَمِينًا فَقَالَ إنْ كَانَ رَجُلًا مُقِلًّا مَأْمُونًا فَلَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا غَيْرَ مَأْمُونٍ أَرَى أَنْ يَحْلِفَ لِأَنَّ جُلَّ الْآبَاءِ يُنْفِقُونَ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ اهـ.

وَيُقْرَأُ لَفْظُ الْأَبِ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ (قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ) وَإِذْ فَرَغْنَا مِنْ حَلِّ أَلْفَاظِ النَّظْمِ فَلْنَرْجِعْ إلَى نَقْلِ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ الْآنَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَاَلَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ الْآنَ مَا فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَنَصُّهُ فِيمَا إذَا أَنْفَقَ الْأَبُ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَهُ مَالٌ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ هَلْ يُحَاسَبُ الِابْنُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَالُ الِابْنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا بِيَدِ الْأَبِ، وَالثَّانِيَ: أَنْ يَكُونَ عَرَضًا قَائِمًا فِي يَدِهِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى يَدِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا وَأُلْفِيَ عَلَى حَالِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ أَوْصَى وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ عَرَضًا بِعَيْنِهِ أُلْفِيَ فِي تَرِكَتِهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا فَإِنْ كَتَبَهَا حُوسِبَ بِهَا الِابْنُ وَإِنْ أَوْصَى أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ أَوْصَى أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ كَتَبَ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ لِابْنِهِ بِذَلِكَ ذِكْرَ حَقٍّ وَأَشْهَدَ لَهُ بِهِ فَلَا يُحَاسَبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْحَالُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ قَبَضَ الْمَالَ وَلَا صَارَ بِيَدِهِ بَعْدُ فَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا هِيَ بِمَنْزِلَةِ إذَا كَانَ عَرَضًا بِيَدِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَمَوْتِ الِابْنِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اُنْظُرْهُ فِي ع. ع مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ.

وَذَكَرَ ابْنُ فَتْحُونٍ فِي وَثَائِقِهِ: إنَّهُ إذَا كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَأَنْفَقَ الْأَبُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَأَبْقَى مَالَ ابْنِهِ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ، وَأَرَادَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مُحَاسَبَتَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقُولَ الْأَبُ عِنْدَ مَوْتِهِ حَاسِبُوهُ أَوْ يَقُولَ لَا تُحَاسِبُوهُ أَوْ يَسْكُتَ فَأَمَّا إنْ قَالَ حَاسِبُوهُ أَوْ قَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ فَيَكُونُ عَلَى مَا قَالَ وَأَمَّا إنْ سَكَتَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ كَتَبَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهُ فَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ شَيْئًا فَلَا يُحَاسَبُ الِابْنُ وَإِنْ كَتَبَ فَإِنْ كَانَ مَالُ الِابْنِ عَيْنًا لَمْ يُحَاسَبْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا حَاسَبُوهُ بِذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. اهـ.

وَنَقَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَ ابْنِ فَتْحُونٍ هَذَا وَزَادَ فِيهِ إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ قَالَ لَا تُحَاسِبُوهُ فَكَذَلِكَ مَا نَصُّهُ وَلَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ لِأَنَّ الْآبَاءَ يُنْفِقُونَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ. اهـ. وَزَادَ أَيْضًا إثْرَ قَوْلِهِ: وَإِنْ كَتَبَ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا فَلَا يُحَاسَبُ أَيْضًا مَا نَصُّهُ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْفَقَ مِنْهُ وَيُحْمَلُ كَتْبُهُ عَلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ ثُمَّ قَالَ قَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ. اهـ. فَانْظُرْهَا فِي الْحَطَّابِ أَوْ فِي مَحَلِّهَا الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ وَتَأَمَّلْ هَذَا النَّقْلَ مَعَ نَقْلِ النَّاظِمِ هَلْ بَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ أَمْ لَا إنْ كَانَ مَعَك سَعَةٌ فِي الْوَقْتِ وَنَقَلَ الْحَطَّابُ أَيْضًا عَنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَصِيٍّ عَلَى يَتِيمَةٍ أَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>