للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْعُ مَنْ حَابَى مِنْ الْمَرْدُودِ ... إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ بِالشُّهُودِ

إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِشْهَادِ ... لَهُمْ بِهِ فِي وَقْتِ الِانْعِقَادِ

وَمَعْ ثُبُوتِ مَيْلِ بَائِعِ لِمَنْ ... مِنْهُ اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفْعِ الثَّمَنْ

تَقَدَّمَ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ النَّاظِمُ لِمَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ أَنَّ الْمُحَابَاةَ الْبَيْعُ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ بِكَثِيرٍ لِقَصْدِ نَفْعِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَوْ الشِّرَاءِ بِأَكْثَرَ كَذَلِكَ لِقَصْدِ نَفْعِ الْبَائِعِ، وَأَنَّ مَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا فِي الشِّرَاءِ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ نَفْعُ مَنْ ذُكِرَ بَلْ وَقَعَ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فَهُوَ الْغَبْنُ.

وَأَمَّا التَّوْلِيجُ فَهُوَ هِبَةٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ لِإِسْقَاطِ كُلْفَةِ الْحَوْزِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِجَامِعِ أَنَّ الزَّائِدَ فِي الْمُحَابَاةِ عَلَى الْقِيمَةِ تَوْلِيجٌ، وَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَوْ الْمُتَعَيِّنَ أَنَّ مَقْصُودَ النَّاظِمِ هُنَا الْكَلَامُ عَلَى التَّوْلِيجِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ: وَبَيْعُ مَنْ حَابَى، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ إنْ ثَبَتَ التَّوْلِيجُ وَلَمْ يَقُلْ إنْ ثَبَتَتْ الْمُحَابَاةُ وَلَوْ قَالَ

وَبَيْعُ تَوْلِيجٍ مِنْ الْمَرْدُودِ

لَكَانَ أَنْسَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُحَابَاةِ وَالتَّوْلِيجِ مَا نَقَلَ ابْنُ سَلْمُونٍ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِأَحْكَامِ التَّصْيِيرِ، وَلَفْظُهُ فَإِنْ صَيَّرَهُ فِي ثَابِتٍ أَوْ بَاعَ مِنْهُ بِثَمَنِ قَبْضِهِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ وَغَبْنٌ بَطَلَ بِاتِّفَاقٍ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ فِيمَنْ وَلَّى ابْنَهُ حَائِطًا اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ يَسِيرٍ وَثَمَنُهُ الْيَوْمَ كَثِيرٌ فَقَالَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجَوِّزَهُ لَهُ الْأَبُ.

وَقَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَبِيعُ مِنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْأَرْضَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَقَالَ إنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْأَبِ حَتَّى مَاتَ فَأُرَاهَا مَوْرُوثَةً وَلَا أَرَى لِلْوَلَدِ إلَّا الْعَشَرَةَ. اهـ.

فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ: فَإِنْ صَيَّرَهُ فِي حَقٍّ ثَابِتٍ وَإِلَى قَوْلِهِ: أَوْ بَاعَ مِنْهُ بِثَمَنِ قَبْضِهِ إلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ وُجُودِ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ قِيمَةَ الْمُصَيَّرِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ الْمُصَيَّرِ فِيهِ أَوْ قِيمَةَ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ اشْتَرَاهُ بَائِعُهُ فَلِذَلِكَ قَالَ وَكَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ فَأَطْلَقَ الْمُحَابَاةَ عَلَى مَا فِيهِ عِوَضٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُسَاوٍ لِعِوَضِهِ وَانْظُرْ أَيْضًا إلَى قَوْلِهِ يَبِيعُ الْأَرْضَ بِعَشَرَةٍ وَهِيَ تُسَاوِي مِائَةً فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي وُجُودِ عِوَضٍ فِي الْجُمْلَةِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ مَعَ كَوْنِ الْأَرْضِ تُسَاوِي مِائَةً ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ مُتَّصِلًا بِهِ مَا نَصُّهُ:

وَسُئِلَ الْفُقَهَاءُ بِقُرْطُبَةَ فِي رَجُلٍ بَاعَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجِهِ نِصْفَ دَارٍ لَهُ فِي صِحَّتِهِ وَأَشْهَدَ بِالْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَقَامَ أَخُوهُ وَأَثْبَتَ عَقْدًا أَنَّ أَخَاهُ لَمْ يَزَلْ سَاكِنًا فِي الدَّارِ إلَى أَنْ مَاتَ وَبِعَدَاوَةِ الْأَخِ لَهُ وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا أُوَرِّثُهُ شَيْئًا فَأَجَابَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَتَّابٍ إذَا ثَبَتَ سُكْنَاهُ لَهَا فَذَلِكَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَلَا حَقَّ لَهَا فِي الثَّمَنِ إذْ لَيْسَ مِنْ الْإِقْرَارِ لِلْوَارِثِ وَإِنَّمَا قَصْدُ هِبَةِ الدَّارِ لِإِسْقَاطِ الْحِيَازَةِ.

وَأَجَابَ ابْنُ الْحَاجِّ مَا عَقَدَهُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا نَافِذٍ وَمَا ثَبَتَ مِنْ السُّكْنَى مُبْطِلٌ لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَمْ يَتَضَمَّنْ مُعَايَنَةَ الْقَبْضِ لِلثَّمَنِ وَذَلِكَ مِمَّا يُسْتَرَابُ فِيهِ وَيُظَنُّ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى التَّوْلِيجِ وَالْخُدْعَةِ، وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ إنِّي بِعْتُ مَنْزِلِي هَذَا مِنْ امْرَأَتِي أَوْ ابْنِي أَوْ ابْنَتِي بِمَالٍ عَظِيمٍ وَلَمْ يَرَ أَحَدٌ مِنْ الشُّهُودِ الثَّمَنَ وَلَمْ يَزَلْ بِيَدِ الْبَائِعِ إلَى أَنْ مَاتَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ هَذَا لَيْسَ بَيْعًا وَإِنَّمَا هُوَ تَوْلِيجٌ وَخُدْعَةٌ وَوَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَكَذَلِكَ إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ تَوْلِيجًا بِالشَّهَادَةِ فَيَبْطُلُ بِاتِّفَاقٍ.

وَكَيْفِيَّةُ ثُبُوتِ التَّوْلِيجِ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَوَسَّطْنَا الْعَقْدَ وَاتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ مَا عَقَدَاهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالتَّصْيِيرِ سُمْعَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ أَوْ يَقُولُوا أَقَرَّ لَنَا بِذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ. اهـ.

اُنْظُرْ كَيْفَ سَمَّى مَا لَا عِوَضَ فِيهِ تَوْلِيجًا فِي جَوَابِ ابْنِ الْحَاجِّ وَجَوَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ التَّوْلِيجِ حَيْثُ قَالَ الشُّهُودُ إنَّ مَا عَقَدَاهُ مِنْ الْبَيْعِ أَوْ التَّصْيِيرِ سُمْعَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْمَقْصُودُ تَمْلِيكُ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَةِ لِلشَّيْءِ الْمَبِيعِ وَالْمُصَيَّرِ إمَّا مَجَّانًا فِي التَّوْلِيجِ أَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ فِي الْمُحَابَاةِ فَذَلِكَ أَعْطَوْهُ حُكْمَ التَّبَرُّعِ، وَأَنَّهُ إنْ حِيزَ صَحَّ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُحَزْ بَطَل وَرُدَّ لَهُ ثَمَنُهُ فِي الْمُحَابَاةِ.

قَوْلُهُ: وَبَيْعُ مَنْ حَابَى إلَخْ يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَوْلِيجٌ كَمَا تَقَدَّمَتْ أَمْثِلَتُهُ فِي قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ وَسُئِلَ الْفُقَهَاءُ بِقُرْطُبَةَ إلَخْ إذَا ثَبَتَ وَصَحَّ كَوْنُهُ تَوْلِيجًا لَا بَيْعًا حَقِيقَةً فَإِنَّهُ يُفْسَخُ وَيُرَدُّ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَثُبُوتُ ذَلِكَ يَكُونُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ تَوَسَّطْنَا الْعَقْدَ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي عَقَدَاهُ فِي الظَّاهِرِ إنَّمَا هُوَ سُمْعَةٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>