للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّانِي: أَنْ يَقُولُوا أَقَرَّ بِذَلِكَ عِنْدَنَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولُوا أَشْهَدَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَذَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي، وَأَشَارَ النَّاظِمُ لِلْوَجْهِ الثَّانِي مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ التَّوْلِيجُ بِقَوْلِهِ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَأَشَارَ لِلْوَجْهِ الثَّالِثِ بِقَوْلِهِ أَوْ الْإِشْهَادِ لَهُمْ بِهِ وَاللَّامُ فِي لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ عَلَيْهِمْ وَضَمِيرُ بِهِ لِلتَّوْلِيجِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِهِ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ لَفْظُ الْإِشْهَادِ بِمَعْنَى الشَّهَادَةِ، وَلَامُ لَهُمْ زَائِدَةٌ يَعْنِي أَوْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ بِالتَّوْلِيجِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ:

وَمَعْ ثُبُوتِ مَيْلِ بَائِعٍ لِمَنْ ... مِنْهُ اشْتَرَى يَحْلِفُ فِي دَفْعِ الثَّمَنْ

يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْبَيْعِ تَوْلِيجًا وَثَبَتَ مَيْلُ الْبَائِعِ إلَى الْمُشْتَرِي فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْيَمِينُ أَنَّهُ اشْتَرَى شِرَاءً صَحِيحًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ فَإِنْ حَلَفَ ثَبَتَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ تَوْلِيجٌ أَوْ مُحَابَاةٌ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ تَسْمِيَةَ مَا دُفِعَ فِيهِ ثَمَنٌ تَوْلِيجًا هُوَ مِنْ إطْلَاقِ التَّوْلِيجِ عَلَى الْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ بِزَعْمِ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْمِدْيَانِ]

ِ

وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إمَّا مُوسِرُ ... فَمَطْلُهُ ظُلْمٌ وَلَا يُؤَخَّرُ

أَوْ مُعْسِرٌ قَضَاؤُهُ إضْرَارُ ... فَيَنْبَغِي فِي شَأْنِهِ الْإِنْظَارُ

أَوْ مُعْدِمٌ وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَهْ ... فَوَاجِبٌ إنْظَارُهُ لِمَيْسَرَهْ

أَوْ مَنْ عَلَى الْأَمْوَالِ قَدْ تَقَعَّدَا ... فَالضَّرْبُ وَالسِّجْنُ عَلَيْهِ سَرْمَدَا

وَلَا الْتِفَاتَ عِنْدَ ذَا لِلْبَيِّنَهْ ... لِمَا ادَّعَى مِنْ عُدُمٍ وَبَيَّنَهْ

وَإِنْ أَتَى بِضَامِنٍ فَبِالْأَدَا ... حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ قَعَدَا

قَسَّمَ النَّاظِمُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ الْغَرِيمَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ: الْأَوَّلُ الْمُوسِرُ الْغَنِيُّ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ مَطْلَهُ ظُلْمٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» الثَّانِي: الْمُعْسِرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْدِمٍ لَكِنْ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الْقَضَاءِ أَضْرَارٌ كَمَنْ عِنْدَهُ أُصُولٌ أَوْ عُرُوضٌ وَلَا نَاضَّ عِنْدَهُ يُؤَدِّي مِنْهُ الدَّيْنَ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ وَإِنْظَارُهُ إلَى تَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ تَلْحَقُهُ لِقَوْلِ مَوْلَانَا رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا وَوَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ» وَمَطْلُهُ مَعَ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا غَيْرَ مُقَصِّرٍ وَلَا مُتَرَاخٍ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ لَا يَضُرُّهُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ كَانَ الشُّيُوخُ بِقُرْطُبَةَ يُفْتُونَ بِتَأْخِيرِهِ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّتِهِ، وَلَا يُوَكَّلُونَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ عُرُوضِهِ وَعَقَارِهِ فِي الْحَالِ وَعَلَى ذَلِكَ تَدُلُّ الرِّوَايَاتُ. اهـ.

الثَّالِثُ: الْمُعْسِرُ الْمُعْدِمُ وَعَدَمُهُ ثَابِتٌ وَعَلَيْهِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ أَبَانَ مَعْذِرَهْ وَتَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَاجِبٌ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] ، الرَّابِعُ: مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَتَقَعَّدَ عَلَيْهَا وَادَّعَى الْعُدْمَ وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ الْقِسْمُ الْخَامِسُ: وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ إثْرَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَالْمُنَاسِبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَأْخِيرُ هَذَا الْقِسْمِ إلَى أَنْ يُذْكَرَ مَعَ أَقْسَامِ الْمِدْيَانِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَعَادَ النَّاظِمُ ذِكْرَهُ آخِرَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ حَيْثُ قَالَ:

وَحَبْسُ مَنْ غَابَ عَلَى الْمَالِ إلَى ... أَدَائِهِ أَوْ مَوْتِهِ مُعْتَقَلَا

وَسَيَأْتِي قِسْمٌ سَادِسٌ: وَهُوَ الضَّعِيفُ التَّجْرِ الْقَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَ أَمْوَالَ النَّاسِ أَوْ يَمُوتَ فِي السِّجْنِ.

وَرَوَى سَحْنُونٌ أَنَّهُ يُضْرَبُ بِالدِّرَّةِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ أَمْوَالَ النَّاسِ وَلَيْسَ قَوْلُنَا هَذَا بِخِلَافٍ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ يَضْرِبُ الْإِمَامُ الْخَصْمَ عَلَى اللَّدَدِ وَأَيُّ لَدَدٍ أَبْيَنُ مِنْ هَذَا فَالْقَضَاءُ بِمَا رُوِيَ عَنْ سَحْنُونٍ فِي مِثْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقْعُدُونَ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَيَرْضَوْنَ بِالسِّجْنِ وَيَسْتَخِفُّونَهُ لِيَأْكُلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ وَيَسْتَضْمِنُوهَا هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا تَصِحُّ مُخَالَفَتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ

<<  <  ج: ص:  >  >>