للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي مِلْكِهِ فَطَالَتْ أَغْصَانُهَا وَانْتَشَرَتْ حَتَّى صَارَتْ يَتَشَرَّفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ إذَا طَلَعَ يَجْنِيهَا، فَلَا كَلَامَ لِلْجَارِ فِي ذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي التَّكَشُّفِ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يُؤْذِنُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْنِيَهَا، وَغَايَةُ مَالَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَغْصَانِهَا مَا خَرَجَ عَنْ هَوَاءِ صَاحِبِهَا وَيَكُونُ الْقَطْعُ مُسَامِتًا لِطَرَفِ أَرْضِ صَاحِبِهَا وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ بِاسْتِوَاءِ.

(قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ:) قَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي شَجَرَةٍ فِي دَارِ رَجُلٍ فَطَالَتْ حَتَّى صَارَ يَتَشَرَّفُ مِنْهَا عَلَى دَارِ جَارِهِ: إذَا طَلَعَ يَجْنِيهَا أَوْ غَرَسَهَا قَرِيبًا فَزَعَمَ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يُطْرَقَ مِنْهَا فَيُدْخَلَ عَلَيْهِ فِي دَارِهِ.

قَالَ: إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ إلَّا مَا خَافَ مِنْ الطَّرْقِ أَوْ مِمَّنْ يَجْنِيهَا فَلَا حُجَّةَ وَيُؤْذِنُهُ إنْ أَرَادَ أَنْ يَجْنِيَهَا، وَأَمَّا إنْ خَرَجَ مِنْ فُرُوعِهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيَقْطَعْ الْخَارِجَ فَقَطْ. وَنَحْوُهُ لِأَصْبَغَ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ: إنْ كَانَ عِظَمُهَا وَامْتِدَادُهَا صُعُودًا إلَى السَّمَاءِ فَلَا تُغَيَّرُ عَنْ حَالِهَا كَالْبُنْيَانِ يَرْفَعُهُ الرَّجُلُ فِي حَقِّهِ فَيَسْتُرُ بِهِ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَنْ جَارِهِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا مُدَّتْ فِي أَرْضِ جَارِهِ فَلْتُشَمَّرْ وَتُقْطَعْ وَتُرَدَّ إلَى حَالٍ لَا تُؤْذِي. وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلْيُقْطَعْ حَتَّى تَعُودَ فُرُوعُهَا حَدَّ أَرْضِ صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ هَوَاءَ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا. اهـ

وَأَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَفَّارُ فِي شَجَرَةٍ لِرَجُلٍ أَضَرَّتْ شَجَرَةَ جَارِهِ بِقَطْعِ مَا خَرَجَ مِنْ الشَّجَرَةِ عَنْ هَوَاءِ صَاحِبِهَا، يُؤْمَرُ بِذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَإِنْ تَكُنْ بِمِلْكِ مَنْ لَيْسَتْ لَهُ ... وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّهُ

فَمَا لِرَبِّ الْمِلْكِ قَطْعُ مَا انْتَشَرْ ... لِعِلْمِهِ بِأَنَّ ذَا شَأْنُ الشَّجَرْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ مَلَكَهَا بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ قِسْمَةٍ وَعَظُمَتْ وَانْتَشَرَتْ حَتَّى أَظَلَّتْ جُلَّ الْمِلْكِ الَّذِي هِيَ فِيهِ فَلَا كَلَامَ لِرَبِّ ذَلِكَ الْمِلْكِ فِي قَطْعِ مَا انْتَشَرَ مِنْهَا وَطَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الشَّجَرِ، فَصَارَ هَذَا الْأَمْرُ مَدْخُولًا عَلَيْهِ فَفِي ابْنِ يُونُسَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ أَصْبَغُ: وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلرَّجُلِ فِي أَرْضِ الرَّجُلِ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ قِسْمَةٍ فَامْتَدَّتْ ارْتِفَاعًا وَانْبِسَاطًا حَتَّى أَضَرَّتْ بِالْأَرْضِ فَلَا قَوْلَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اهـ

وَالْحُكْمُ فِي الطَّرِيقِ حُكْمُ الْجَارِ ... فِي قَطْعِ مَا يُؤْذِي مِنْ الْأَشْجَارِ

يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ قَطْعُ مَا أَضَرَّ مِنْ الشَّجَرَةِ بِالْجَارِ كَذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُ مَا أَضَرَّ مِنْهَا بِالْمَارِّينَ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَمِلْكِ الْجَارِ إلَّا بِتَعْدَادِ الْمُنْتَفِعِينَ بِالطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهَا حَبْسٌ عَلَى سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ يُوجِبُ اسْتِوَاءَ الْحُكْمِ أَوْ تَأَكُّدَهُ إذَا اُعْتُبِرَتْ كَثْرَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَاخْتِلَافُهُمْ بِالضَّعْفِ وَعَدَمِ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ حَيْثُ الْعَادَةُ كَالشَّأْنِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ مَعَ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ. (فَرْعٌ) قَالَ الْبَاجِيُّ مَا خَرَجَ مِنْ الْأَجْنِحَةِ عَنْ الْحِيطَانِ إلَى طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَنَاحُ بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَيُمْنَعُ اهـ وَانْظُرْ: هَلْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَلِكَ تَحْتَ الْأَرْضِ؟ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنَ الْقَاسِمِ لِمَنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جِدَارَيْهِمَا غُرْفَةً أَوْ مَجْلِسًا فَوْقَ الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ الْإِضْرَارُ بِتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ.

(ابْنُ رُشْدٍ) هَذَا رَفَعَ بِنَاءً رَفْعًا يُجَاوِزُ رَأْسَ الْمَارِّ رَاكِبًا وَنَحْوَهُ فِي الزَّاهِي وَكَذَا الْأَجْنِحَةُ انْتَهَى نَقْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ الْحَاجِّ سُنَّةُ الْأَنْهَارِ وَالطُّرُقِ الِارْتِفَاقُ بِهَا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْصِبَ عَلَى نَهْرٍ إذَا كَانَتْ الضِّفَّتَانِ لَهُ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَأَبَاحَ لَهُ صَاحِبُ الثَّانِيَةِ ذَلِكَ، وَلَا حُجَّةَ لِلسُّلْطَانِ أَنَّ الْوَادِيَ لَهُ انْتَهَى مِنْ الْمَوَّاقِ وَفِي نَظْمِ إيضَاحِ الْمَسَالِكِ لِوَلَدِ مُؤَلِّفَةِ الْعَالِمِ الشَّهِيرِ أَبِي مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْعَالِمِ الْحَافِظِ سَيِّدِي أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي تَرْجَمَةِ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ، هَلْ يَمْلِكُ بَاطِنَهَا وَهِيَ التَّرْجَمَةُ الثَّامِنَةُ وَالْمِائَةُ مِنْ تَرَاجِمِ النَّظْمِ الْمَذْكُورِ

وَمَا عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ هَوَاءِ ... فَهْوَ لِمَنْ سَبَقَ بِالْإِحْيَاءِ

بِرَوْشَنٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَضُرْ ... بِمَنْ عَلَى تِلْكَ الْمَحَجَّةِ يَمُرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>