للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَلْحَقُ بِذَلِكَ تَزْكِيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ لِمَنْ شَهِدَ لِمَنْ يُتَّهَمُ لَهُ، أَوْ شَهِدَ عَلَى مَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ (قَالَ الْمُقْرِي فِي كُلِّيَّاتِهِ الْفِقْهِيَّةِ) : " كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِرَجُلٍ لَا تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ، وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عَلَى رَجُلٍ لَا تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ". اهـ ثُمَّ اسْتَظْهَرَ الشَّارِحُ عَلَى مَا نَقَلَ النَّاظِمُ وَمَا أَشْبَهَ بِنُقُولٍ يَطُولُ سَرْدُهَا، وَاسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَعَلَى مَوَاضِعِ الشَّهَادَةِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ ثَلَاثِ وَرَقَاتٍ وَنِصْفٍ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَهُ.

وَسَاغَ أَنْ يَشْهَدَ الِابْنُ فِي مَحَلّ ... مَعَ أَبِيهِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلْ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الِابْنُ مَعَ أَبِيهِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ، فِي كَلَامِ الشَّيْخِ إشْعَارٌ بِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا بِالْمَنْعِ لَمْ يَجْرِ بِهِ عَمَلٌ، وَمَعْنَى الْمَنْعِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا مَعًا كَشَهَادَةِ عَدْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ، وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ (ابْنُ رُشْدٍ) الْخِلَافُ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ عِنْدَ ابْنِهِ وَالِابْنِ عِنْدَ أَبِيهِ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ - وَاحِدٌ. قِيلَ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَمُطَرِّفٍ وَقِيلَ: غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ. وَأَمَّا تَعْدِيلُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ فَلَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إلَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَفِي ذَلِكَ بُعْدٌ (ابْنُ عَرَفَةَ) مَا أَدْرَكْت قَاضِيًا حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ تَقَدُّمِ وَلَدِهِ أَوْ قَرِيبِهِ إلَّا قَاضِيًا وَاحِدًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَمِلَ بِهِ، (وَلِبَعْضِ) شُيُوخِ الشُّورَى بِقُرْطُبَةَ شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ جَائِزٌ، وَلَيْسَا كَالِابْنِ مَعَ أَبِيهِ. اهـ.

فَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ: " وَشَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ هِيَ مَسْأَلَةُ النَّاظِمِ " وَقَدْ حَكَى فِيهَا مَعَ مَا ذَكَرَ مَعَهَا قَوْلَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ الْمُحَصِّلُ النَّوَازِلِيُّ آخِرُ قُضَاةِ الْعَدْلِ بِالْبَادِيَةِ أَبُو سَالِمٍ سَيِّدِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَلَالِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَسْأَلَةِ الْأَمْلِيسِيَّةِ فِي الْأَنْكِحَةِ الْأَغْرِيسِيَّةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ شَيْخَهُ وَشَيْخَيْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ الْفَقِيهَانِ سَيِّدِي يَحْيَى السَّرَّاجُ وَسَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ الْحُمَيْدِيُّ اخْتَلَفَا فِي شَهَادَةِ الْأَبِ مَعَ ابْنِهِ، وَوَقَعَ فِيهَا تَنَازُعٌ عَظِيمٌ فَأَفْتَى السَّرَّاجُ بِقَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ " وَشَهَادَةُ ابْنٍ مَعَ أَبٍ وَاحِدَةٌ " وَحَكَمَ الْحُمَيْدِيُّ بِقَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ

وَسَاغَ أَنْ يَشْهَدَ الِابْنُ فِي مَحَلِّ

الْبَيْتِ حَتَّى آلَ الْأَمْرُ أَنْ رُفِعَتْ الْمَسْأَلَةُ لِلسُّلْطَانِ إذْ ذَاكَ مَوْلَايَ أَحْمَدَ، وَوَقَعَ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِالدِّيوَانِ مِنْ فَاسِ الْجَدِيدِ فَخَرَجَ الْحُكْمُ بِمَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي مِنْ الْعَمَلِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَاصِمٍ - رَحِمَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِمَنِّهِ - قَالَ: وَكَانَ السَّرَّاجُ الْمَذْكُورُ يَقِفُ مَعَ لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ وَمَا بِهِ الْفَتْوَى فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَكَانَ الْقَاضِي الْحُمَيْدِيُّ لَا يَقِفُ مَعَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالصِّنَاعَةِ التَّوْثِيقِيَّةِ وَتَدْرِيبِهِ مَعَهَا بِالْمُبَاشَرَةِ لِلْعَمَلِ. اهـ

وَزَمَنُ الْأَدَاءِ لَا التَّحَمُّلِ ... صَحَّ اعْتِبَارُهُ لِمُقْتَضٍ جَلِيّ

يَعْنِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ زَمَانُ أَدَائِهَا لَا زَمَانُ تَحَمُّلِهَا، فَإِذَا تَحَمَّلَهَا كَافِرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>