للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثِ دَلِيلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَجُزِهِ دَلِيلَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ هُنَا عَنْ طُرُرِ ابْنِ عَاتٍ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ قَسَّمَ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي مِلْكِهِ مِمَّا يَضُرُّ بِغَيْرِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: مِنْهُ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ كَالْأَنْدَرِ الْمُضِرِّ بِتِبْنِهِ وَغُبَارِهِ لِلدَّارِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ وَدُخَانِ الْحَمَّامِ وَالْفُرْنِ وَالرَّائِحَةِ الْقَبِيحَةِ كَالدِّبَاغِ وَمَا يَضُرُّ بِالْجُدْرَانِ كَالْكَنِيفِ إلَى جَنْبِ حَائِطِ جَارِهِ أَوْ رَحًى تَضُرُّ بِجُدْرَانِهِ، وَضَرَرِ الِاطِّلَاعِ مِنْ فَتْحِ كُوَّةٍ أَوْ بَابٍ أَوْ قَضْبَةٍ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى عِيَالِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ؛ كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ بِقُرْبِ فُرْنٍ آخَرَ أَوْ حَمَّامٍ بِقُرْبِ آخَرَ فَيَضُرُّ بِهِ فِي قِلَّةِ عِمَارَتِهِ وَنُقْصَانِ غَلَّتِهِ أَوْ يَبْنِي فِي دَارِهِ مَا يَمْنَعُ بِهِ جَارَهُ الضَّوْءَ أَوْ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ، وَضَرَرُ الْأَصْوَاتِ كَالْحَدَّادِ وَالْكَمَّادِ وَالنَّدَّافِ، وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ خِلَافٌ شَاذٌّ، وَمِنْهُ مَا يُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِ الْمَنْعِ مِنْهُ؛ كَأَنْ يُحْدِثَ فِي أَرْضِهِ بِنَاءً قُرْبَ أَنْدَرِ جَارِهِ يَمْنَعُهُ بِهِ الرِّيحَ عِنْدَ الذَّرْوِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ نَافِعٍ يُمْنَعُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ.

وَمَنْ رَأَى بُنْيَانَ مَا فِيهِ ضَرَرْ ... وَلَمْ يَقُمْ مِنْ حِينِهِ بِمَا ظَهَرْ

حَتَّى رَأَى الْفَرَاغَ مِنْ إتْمَامِهِ ... مُكِّنَ بِالْيَمِينِ مِنْ قِيَامِهِ

فَإِنْ يَبِعْ بَعْدُ بِلَا نِزَاعِ ... فَلَا قِيَامَ فِيهِ لِلْمُبْتَاعِ

وَإِنْ يَكُنْ حِينَ الْخِصَامِ بَاعَا ... فَالْمُشْتَرِي يَخْصِمُ مَا اسْتَطَاعَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ رَأَى جَارَهُ يَبْنِي مَا يَلْحَقُهُ بِبُنْيَانِهِ ضَرَرٌ فَسَكَتَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهِ، وَأَرَادَ مَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ مَنْعِهِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ سُكُوتَهُ مَا كَانَ رِضًا مِنْهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ بَاعَ دَارِهِ بَعْدَ أَنْ أَكْمَلَ الْجَارُ بُنْيَانَهُ، وَلَمْ يُخَاصِمْهُ وَلَا نَازَعَهُ فِيمَا بَنَى، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا قِيَامَ لَهُ، وَإِنْ خَاصَمَ وَبَاعَ أَثْنَاءَ خِصَامِهِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ فِي الضَّرَرِ الْمُحْدَثِ عَلَى مُشْتَرَاهُ قَدْرَ اسْتِطَاعَتِهِ، عَلَى أَنَّ فِي بَيْعِ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ مَا لَا يَخْفَى.

(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَمَنْ قَامَ عَلَى مَنْ أَحْدَثَ بُنْيَانًا أَضَرَّ بِهِ بِقُرْبِ الْفَرَاغِ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ سُكُوتَهُ حَتَّى كَمُلَ الْبُنْيَانُ لَمْ يَكُنْ عَلَى إسْقَاطِهِ مِنْهُ لِلْوَاجِبِ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُقْطَعُ الضَّرَرُ. (وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ) فِي رَجُلٍ لَهُ دَارٌ ظَهْرُهَا فِي زُقَاقِ قَوْمٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَفَتَحَ الرَّجُلُ بَابَ دَارِهِ إلَى هَذَا الزُّقَاقِ وَبَقِيَ كَذَلِكَ نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ ثُمَّ بَاعَ الْقَوْمُ دُورَهُمْ فَأَرَادَ مُبْتَاعُهَا إغْلَاقَ هَذَا الْبَابِ الْمُحْدَثِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ لِلْبَائِعِينَ قَبْلَ الْقِيَامِ بِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ حَلَّ مَحَلَّهُمْ فَجَاوَبَنِي ابْنُ عَتَّابٍ لَيْسَ لِلْمُبْتَاعِينَ فِيهِ كَلَامٌ وَلَا اعْتِرَاضٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْكَلَامُ فِيهِ لِلْبَائِعِينَ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى بَاعُوا فَهُوَ رِضًا مِنْهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُونَ بَاعُوا وَقَدْ خَاصَمُوا فِي ذَلِكَ.

(وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ) : الْمَعْرُوفُ أَنَّ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامَ عَلَى مُحْدِثِ الضَّرَرِ عَلَى الدَّارِ وَتُبَاعُ وَكَأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَقَالَ فَضْلٌ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ حَبِيبٍ: اُنْظُرْ، هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى خُصُومَةٍ؟ اهـ مِنْ الشَّارِحِ (وَفِي ابْنِ سَلْمُونٍ) : وَمَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ فِيهِ ضَرَرٌ فَسَكَتَ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ قَامَ عَلَيْهِ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ سُكُوتَهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فِيهِ، فَإِنْ بَاعَهُ بَعْدَ مَا أُحْدِثَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ وَلَا تَكَلَّمَ فِيهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ بِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ وَبَاعَهُ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ، فَإِنَّ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِيهِ وَيَقُومَ بِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُومَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. اهـ وَهُوَ كَلَامُ النَّاظِمِ حَرْفًا حَرْفًا

وَمَانِعُ الرِّيحِ أَوْ الشَّمْسِ مَعَا ... لِجَارِهِ بِمَا بَنَى لَنْ يُمْنَعَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ بَنَى بُنْيَانًا يَمْنَعُ جَارَهُ الرِّيحَ أَوْ الشَّمْسَ أَوْ هُمَا مَعًا فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَلَوْ بَنَى فَمَنَعَنِي بُنْيَانُهُ الشَّمْسَ الَّتِي كَانَتْ تَسْقُطُ فِي دَارِي وَالرِّيحَ، فَهَلْ لِي أَنْ أَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا. اهـ (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) قَالَ مَالِكٌ مَنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَتَجَاوَزَ بُنْيَانًا لِيُشْرِفَ عَلَيْهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ رَفْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>