للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ حَذَفَ ابْنَهُ بِالسَّيْفِ فَأَصَابَ سَاقَهُ فَنُزِيَ فِي جُرْحِهِ فَمَاتَ فَقَدِمَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ اُعْدُدْ لِي عَلَى مَاءِ قُدَيْدٍ عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَعِيرٍ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ فَلَمَّا قَدِمَ عُمَرُ أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثِينَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً ثُمَّ قَالَ: أَيْن أَخُو الْمَقْتُولِ؟ قَالَ هَا أَنَا. قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ لِقَاتِلٍ شَيْءٌ» . اهـ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتَغْلِيظُهَا بِالتَّثْلِيثِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. وَإِلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

وَغُلِّظَتْ فَثُلِّثَتْ فِي الْإِبِلِ

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ فِي الْقَوْلِ الْجَلِيّ

إلَى أَنَّ الدِّيَةَ تُغَلَّظُ أَيْضًا إذَا كَانَتْ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً عَلَى الْقَوْلِ الْجَلِيّ الظَّاهِرِ.

وَتَغْلِيظُهَا هُوَ بِتَقْوِيمِ دِيَةِ الْإِبِلِ الْمُخَمَّسَةِ وَالْمُرَبَّعَةِ أَوْ الْمُثَلَّثَةِ فَمَا كَانَ مِنْ خُمُسٍ أَوْ رُبُعٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أُخِذَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ الْأَلْفِ دِينَارٍ أَوْ مِنْ الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَيُزَادُ عَلَيْهِ وَالْمَجْمُوعُ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ غُلِّظَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ. فَإِذَا قُوِّمَتْ الْمُثَلَّثَةُ بِمِائَةٍ وَالْمُخَمَّسَةُ أَوْ الْمُرَبَّعَةُ بِثَمَانِينَ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالْخُمُسِ فَيُزَادُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ خُمُسُهَا وَعَلَى الِاثْنَا عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ خُمُسُهَا وَيَلْزَمُ الْمَجْمُوعُ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَتُغَلَّظُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ عَلَى الْمَشْهُورِ فَتُقَوَّمُ الدِّيَتَانِ وَيُزَادُ نِسْبَةُ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ فَقَوْلُ النَّاظِمِ وَقُوِّمَتْ لِلْعَيْنِ أَيْ وَقُوِّمَتْ دِيَةُ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً لِأَجْلِ تَغْلِيظِهَا فِي الْعَيْنِ إذْ بِالتَّقْوِيمِ وَمَعْرِفَةِ الْجُزْءِ الَّذِي بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَغَيْرِهَا يُعْرَفُ مَا يُزَادُ عَلَى دِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَضَمِيرُ هُوَ لِلتَّغْلِيظِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ يَخْتَصُّ. وَبِالْآبَاءِ يَتَعَلَّقُ بِيَخْتَصُّ، وَالْأَجْدَادُ عَطْفٌ عَلَى الْآبَاءِ. (فَرْعٌ) الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةً لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلَا مُنَجَّمَةً

وَيَحْلِفُ الذُّكُورُ كَالْإِنَاثِ ... بِنِسْبَةِ الْحُظُوظِ فِي الْمِيرَاثِ

وَإِنْ يَمِينٌ عِنْدَ ذَا تَنْكَسِرُ ... يَحْلِفُهَا مَنْ حَظُّهُ مُوَفَّرُ

وَوَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُحَلَّفَا ... حَيْثُ انْفِرَادُهُ بِمَا تَخَلَّفَا

وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ طَرًّا تُعْتَمَدْ ... بِحَيْثُمَا يَسْقُطُ بِالشَّرْعِ الْقَوَدْ

يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فِي الْخَطَأِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُهَا مَنْ يَرِثُ مِنْ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَاحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا يَرِثُ فَمَنْ وَرِثَ ثُمُنًا كَانَ عَلَيْهِ ثُمُنُ الْأَيْمَانِ وَمَنْ وَرِثَ سُدُسًا كَانَ عَلَيْهِ سُدُسُ الْأَيْمَانِ وَعَلَى هَذَا فَقِسْ. فَإِنْ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ يَمِينٌ حَلَفَهَا أَكْثَرُهُمْ نَصِيبًا مِنْهَا فَإِنْ انْفَرَدَ الْوَارِثُ كَابْنٍ، حَلَفَ الْخَمْسِينَ. وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ جَمِيعُهَا هِيَ فِي الْخَطَأِ لَا فِي الْعَمْدِ، وَعَنْ الْخَطَأِ عَبَّرَ بِمَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِيهِ بِالشَّرْعِ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَلَا يَحْلِفُ فِيهِ وَاحِدٌ وَلَا امْرَأَةٌ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) .

وَالْقَسَامَةُ أَنْ يَحْلِفَ الْوَارِثُونَ الْمُكَلَّفُونَ فِي الْخَطَأِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمَاعَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى خَمْسِينَ يَمِينًا مُتَوَالِيَةً عَلَى الْبَتِّ، وَلَوْ كَانَ أَعْمَى أَوْ غَائِبًا، وَتُوَزَّعُ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمِيرَاثِ وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ تَسَاوَى الْكَسْرُ عَلَيْهِمْ. اهـ وَمِثَالُ انْكِسَارِ الْيَمِينِ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ نَصِيبًا مِنْهَا الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِ النَّاظِمِ: مَنْ حَظُّهُ مُوَفَّرٌ وَبِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُجْبَرُ كَسْرُ الْيَمِينِ عَلَى ذِي الْأَكْثَرِ مِنْ الْكَسْرِ كَمَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ ابْنًا وَابْنَةً فَيَحْلِفُ الِابْنُ ثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَتَحْلِفُ الْبِنْتُ سَبْعَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّهَا نَابَهَا مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْكَسِرَةِ ثُلُثَاهَا وَذَلِكَ أَنَّكَ إذَا قَسَّمْتَ الْخَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى ثَلَاثَةٍ خَرَجَ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَيَجْتَمِعُ لِلِابْنِ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ وَثُلُثٌ وَالْبِنْتِ سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَانِ فَتَحْلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ، وَأَمَّا إذَا انْكَسَرَتْ الْيَمِينُ عَلَى السَّوَاءِ كَثَلَاثَةِ بَنِينَ فَإِنَّهَا تُكَمَّلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ.

(وَفِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: وَكَيْفَ يَحْلِفُ وُلَاةُ الدَّمِ فِي الْخَطَأِ؟ قَالَ: عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَيُقْسِمُ النِّسَاءُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَلَا يُقْسِمْنَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ قَتِيلًا خَطَأً لَمْ يَدَعْ إلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ لَهُ عَصَبَةٌ؟ قَالَ: تَحْلِفُ الِابْنَةُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَأْخُذُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ عَصَبَةٌ حَلَفَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَحَلَفَ الْعَصَبَةُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ عَلَى مَوَارِيثِهِمْ. وَإِنْ نَكَلَ الْعَصَبَةُ لَمْ تَأْخُذْ الِابْنَةُ مِيرَاثَهَا حَتَّى تَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا لِأَنَّ الدَّمَ لَا يُسْتَحَقُّ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا. قُلْتُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>