للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَوْ أَسْقَطَ النَّاظِمُ قَوْلَهُ: لِلْمَالِ. لَكَانَ أَشْمَلَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : وَلَا قَسَامَةَ فِي الْجُرْحِ وَلَكِنْ مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا عَلَى جُرْحٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلْيَحْلِفْ مَعَهُ يَمِينًا وَاحِدَةً يَقْتَصُّ فِي الْعَمْدِ وَيَأْخُذُ الْعَقْلَ فِي الْخَطَأِ. قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ لِمَ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ؟ قَالَ: كَلَّمْتُ مَالِكًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ لَشَيْءٌ اسْتَحْسَنَّاهُ وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ شَيْئًا. اهـ

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْبَيْتَانِ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ الْقَاتِلَ إذَا ادَّعَى عَلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ عَفَا عَنْهُ، وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَيَبْقَى عَلَى حَقِّهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْلِبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي لِلْعَفْوِ فَيَحْلِفُ وَيَبْرَأُ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ عَفَا عَنْهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْقَاتِلِ. اهـ وَلَمْ يَنْقُلْ الشَّارِحُ فِقْهًا عَلَى دَعْوَى الْجَارِحِ عَلَى الْمَجْرُوحِ الْعَفْوَ عَنْهُ، وَهُوَ فِي النَّظْمِ صَرِيحًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ جَرِيحٍ عَطْفٌ عَلَى وَلِيٍّ.

(تَنْبِيهٌ) اُسْتُشْكِلَ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقِصَاصِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَئُولُ إلَى الْمَالِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَتَوَجَّهُ فِيهِ الْيَمِينُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى بَلْ إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا فَحِينَئِذٍ تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، كَدَعْوَى الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ وَالْعَبْدِ الْعِتْقَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ دَعْوَى الْعَفْوِ مِنْ دَعْوَى التَّبَرُّعِ، وَقَدْ قَدَّمَ النَّاظِمُ فِيهَا فِي بَابِ الْيَمِينِ أَنَّ دَعْوَى التَّبَرُّعِ لَا تُوجِبُ يَمِينًا إلَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فِيهِ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعِي، أَوْ فِي دَعْوَى الْإِقَالَةِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَتَّابٍ (وَأُجِيبَ) عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَوَجُّهَ الْيَمِينِ احْتِيَاطًا إذْ قَدْ يَكُونُ الْوَلِيُّ عَفَا ثُمَّ بَدَا لَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَقْتَصَّ فَاحْتِيطَ بِالْيَمِينِ لِعِظَمِ أَمْنِ النَّفْسِ. (قُلْتُ) : وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ ادَّعَى التَّبَرُّعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ تَحْتَ يَدِهِ، كَمَا قَالَ النَّاظِمُ فِي بَابِ الْيَمِينِ:

أَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ عِنْدَ الْمُدَّعِي.

وَقَوَدٌ فِي الْقَطْعِ لِلْأَعْضَاءِ ... فِي الْعَمْدِ مَا لَمْ يُفْضِ لِلْفَنَاءِ

وَالْخَطَأُ الدِّيَةُ فِيهِ تُقْتَفَى ... بِحَسَبِ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ أُتْلِفَا

وَدِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْمُزْدَوِجْ ... وَنِصْفُهَا فِي وَاحِدٍ مِنْهُ انْتُهِجْ

وَفِي اللِّسَانِ كَمُلَتْ وَالذَّكَرِ ... وَالْأَنْفِ وَالْعَقْلِ وَعَيْنِ الْأَعْوَرِ

وَفِي الْإِزَالَةِ لِسَمْعٍ أَوْ بَصَرْ ... وَالنِّصْفُ فِي النِّصْفِ وَشَمٌّ كَالنَّظَرْ

وَالنُّطْقُ وَالصَّوْتُ كَذَا الذَّوْقُ وَفِي ... إذْهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ ذَا اُقْتُفِيَ

وَكُلُّ سِنٍّ فِيهِ مِنْ جِنْسِ الْإِبِلْ ... خَمْسٌ وَفِي الْأُصْبُعِ ضِعْفُهَا جُعِلْ

تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى الْوَاجِبِ فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ فَفِيهِ الْقِصَاصُ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَتَالِفِ.

وَعَنْ ذَلِكَ عَبَّرَ بِيُفْضِ أَيْ يَئُولُ إلَى الْفَنَاءِ أَيْ الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا كَالْفَخِذِ وَاللِّسَانِ وَالْأُنْثَيَيْنِ فَلَا قِصَاصَ ثُمَّ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ كَاللِّسَانِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَالْفَخِذَ أَوْ كَسْرِهِ مِنْهُ فَذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَانِي مَعَ الْأَدَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ فَالْحُكُومَةُ مَعَ الْأَدَبِ أَيْضًا، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الْعُضْوِ عَلَى وَجْهِ الْخَطَأِ فَيُقْتَفَى فِيهِ وَيُتَّبَعُ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي قَدْ أُتْلِفَ بِقَطْعِهِ وَإِبَانَتِهِ.

وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>