للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَطَأُ الدِّيَةُ فِيهِ تُقْتَفَى

(الْبَيْتَ) وَفِيهِ إجْمَالٌ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: إنَّ كُلَّ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْ الْمُزْدَوِجِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ، فَإِنَّ فِي إتْلَافِهِمَا مَعًا الدِّيَةَ كَامِلَةً. وَفِي إتْلَافِ أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ كَقَطْعِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَمَعْنَى اُنْتُهِجَ أَيْ سُلِكَ وَاتُّبِعَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً أَيْضًا فِي قَطْعِ اللِّسَانِ، وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأَنْفِ وَفِي الْعَقْلِ إذَا ضَرَبَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْمُزْدَوِجِ لِلسُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي ذَهَابِ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ كُلِّهِ وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي ذَهَابِ نِصْفِ السَّمْعِ أَوْ نِصْفِ الْبَصَرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَالنِّصْفُ فِي النِّصْفِ. وَذَهَابُ الشَّمِّ كَذَهَابِ الْبَصَرِ، إنْ ذَهَبَ كُلُّهُ وَجَبَتْ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَإِنْ ذَهَبَ نِصْفُهُ وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي ذَهَابِ النُّطْقِ وَالصَّوْتِ وَالذَّوْقِ وَذَهَابِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ.

وَيَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ كَامِلَةً فِي اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَفِي عَشْرِ مَنَافِعَ، فَقَالَ: وَالْمُقَدَّرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ اثْنَا عَشَرَ: الْأُذُنَانِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْعَيْنَانِ وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةُ كَامِلَةً، بِخِلَافِ كُلِّ زَوْجٍ فِي الْإِنْسَانِ؛ لِمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ، وَالْأَنْفُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مَارِنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالشَّفَتَانِ وَلِسَانُ النُّطْقِ، فَإِنْ قُطِعَ مِنْهُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ النُّطْقِ شَيْئًا فَحُكُومَةٌ، وَالْأَسْنَانُ فِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَأَمَّا الْعَمْدُ فَالْقِصَاصُ، وَالْيَدَانِ مِنْ الْعَضُدِ إلَى الْأَصَابِعِ قَطْعًا أَوْ شَلَلًا فَيَنْدَرِجُ مَا زَادَ عَلَى الْأَصَابِعِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ، وَفِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعُشْرِ، إلَّا فِي الْإِبْهَامِ فَنِصْفُهُ، وَالثَّدْيَانِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَحَلَمَتُهُمَا مِثْلُهُمَا إنْ بَطَلَ اللَّبَنُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ، وَمَهْمَا قَطَعَ أَحَدَهُمَا فَدِيَةٌ، وَالشَّفْرَانِ إذَا بَدَا الْعَظْمُ، وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ أَيْ فِيهِمَا الدِّيَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ وَمِنْ الْوَرِكِ، وَيَنْدَرِجُ مَا فَوْقَ الْأَصَابِعِ قَطْعًا أَوْ شَلَلًا. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُقَدَّرُ مِنْ الْمَنَافِعِ عَشْرٌ الْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالنُّطْقُ وَالصَّوْتُ وَالذَّوْقُ وَقُوَّةُ الْجِمَاعِ وَيَحْلِفُ وَالْإِفْضَاءُ وَالْقِيَامُ وَالْجُلُوسُ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.

(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الدِّيَةُ: الْعَقْلُ، فَلَوْ زَالَ بِمَا فِيهِ دِيَةٌ تَعَدَّدَتْ، وَذَلِكَ كَمَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ فَجُنَّ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَلَكِنَّ التَّعَدُّدَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ مَا زَالَ الْعَقْلُ بِسَبَبِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْعَقْلِ، أَمَّا لَوْ كَانَ فِي مَحَلِّهِ، كَمَا لَوْ أَصَمَّهُ أَوْ جَدَعَ أَنْفَهُ فَزَالَ عَقْلُهُ، وَقُلْنَا: إنَّ مَحَلَّهُ الدِّمَاغُ. فَلَيْسَ لَهُ إلَّا دِيَةُ الْعَقْلِ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَإِنْ أُصِيبَ بِمَأْمُومَةٍ، فَذَهَبَ مِنْهَا عَقْلُهُ فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَيْ الَّذِي يَقُولُ: إنَّ مَحَلَّ الْعَقْلِ الْقَلْبُ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَدِيَةُ الْمَأْمُومَةِ، وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ؛ إذْ لَيْسَ الرَّأْسُ عِنْدَهُ مَحَلًّا لِلْعَقْلِ، كَمَنْ أَذْهَبَ سَمْعَ رَجُلٍ، وَفَقَأَ عَيْنَهُ فِي ضَرْبَةٍ، أَيْ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ، إنَّمَا لَهُ دِيَةُ الْعَقْلِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمَأْمُومَةِ، كَمَنْ أَذْهَبَ بَصَرَ رَجُلٍ، وَفَقَأَ عَيْنَيْهِ فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ.

(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَحَلَّهُ الْقَلْبُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الشَّرْعِ. وَمَذْهَبُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَحَلَّهُ الرَّأْسُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفَلَاسِفَةِ. اهـ وَإِلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا تَتَعَدَّدُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَمَا لَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَتَعَدَّدَتْ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إلَّا الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ مِنْ الْمَنَافِعِ الشَّمَّ. (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَيَنْدَرِجُ فِي الْأَنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الْأُذُنِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : فَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ، وَأَذْهَبَ شَمَّهُ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَيَنْدَرِجُ الشَّمُّ فِي الْأَنْفِ كَمَا يَنْدَرِجُ الْبَصَرُ فِي الْعَيْنِ، وَكَمَا يَنْدَرِجُ السَّمْعُ فِي الْأُذُنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِي الصَّوْتِ الدِّيَةُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: النُّطْقُ أَخَصُّ مِنْ الصَّوْتِ. اهـ وَالْكَلَامُ أَخَصُّ مِنْ النُّطْقِ فَكُلُّ كَلَامٍ نُطْقٌ وَصَوْتٌ وَكُلُّ نُطْقٍ صَوْتٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: أَمَّا لَوْ ذَهَبَ النُّطْقُ وَالصَّوْتُ دُفْعَةً وَاحِدَةً فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>