للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكَذِبَ وَالزُّورَ فَفِي غُرْمِهِ الْمَالَ مِنْ دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا قَوْلَانِ: فَيُغَرَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلَا يُغَرَّمُ عِنْدَ ابْنِ الْمَاجِشُونِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَاخْتَلَفَا " إلَخْ وَضَمِيرُ بِهَا لِلشَّهَادَةِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، وَالزُّورَ فَيُغَرَّمُ الْمَالَ اتِّفَاقًا، وَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ شَهِدَ بِالْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ عَمْدًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ وَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَتَهُ بِالْقَتْلِ، أَوْ بِالْجُرْحِ كَانَتْ زُورًا وَكَذِبًا.

فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُغَرَّمُ الدِّيَةَ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّاهِدِ وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

وَشَاهِدُ الزُّورِ اتِّفَاقًا يَغْرَمُهْ

أَيْ: مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ وَمَعْنَى فِي كُلِّ حَالٍ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا، أَوْ دَمًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَغْرَمُهْ فِي كُلِّ حَالٍ " أَنَّهُ لَا يُنْتَقَصُ مِنْ الشَّاهِدِ فِي الْقَتْلِ، أَوْ الْجُرْحِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " وَالْعِقَابُ يَلْزَمُهْ " أَيْ: لِشَاهِدِ الزُّورِ زِيَادَةً عَلَى الْغُرْمِ (قَالَ الشَّارِحُ) فِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا رَجَعَ الشُّهَدَاءُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَقَدْ شَهِدُوا بِحَقٍّ، أَوْ حَدِّ اللَّهِ مِنْ زِنًى، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ فَإِنَّهُمْ يُقَالُونَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَهِمُوا فِي شَهَادَتِهِمْ، أَوْ رَجَعُوا عَنْهَا لِشَكٍّ خَالَطَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ فِي هَذَا تُوجِبُ الْخَوْفَ فَلَا يَرْجِعُ أَحَدٌ عَنْ شَهَادَةٍ شَهِدَهَا عَلَى بَاطِلٍ أَوْ شَكٍّ إذَا أَرَادَ التَّوْبَةَ، وَيُحَدُّونَ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ مِنْ الزِّنَا حَدَّ الْقَذْفِ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ، وَفِيهِ أَيْضًا رَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ رَسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " قَالَ فِي شَاهِدٍ شَهِدَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَمْضِي شَهَادَتُهُ الْأُولَى لِأَهْلِهَا وَهِيَ الشَّهَادَةُ وَالْأَخِيرَةُ بَاطِلَةٌ» وَأَخَذَ بِذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ يَرَوْنَ أَنْ يُغَرَّمَ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ إذَا أَقَرَّ بِتَعَمُّدِ الزُّورِ قَالَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ (قَالَ سَحْنُونٌ) : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَقَالُوا: إنْ قَالُوا وَهِمْنَا، أَوْ اُشْتُبِهَ عَلَيْنَا فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَدَبَ وَإِنْ قَالُوا زَوَّرْنَا غُرِّمُوا مَا أَتْلَفُوا وَأُدِّبُوا، وَقَالَ آخَرُونَ يُغَرَّمُوا مَا أَتْلَفُوا فِي الْعَمْدِ، وَالْوَهْمِ، وَالشَّكِّ، وَيُؤَدَّبُ الْمُتَعَمِّدُونَ. اهـ.

(وَفِي شَهَادَةِ الْمُدَوَّنَةِ) إنْ أُخِذَ شَاهِدُ الزُّورِ ضُرِبَ قَدْرَ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ، وَيُطَافُ بِهِ فِي الْمَجَالِسِ، (ابْنُ الْقَاسِمِ) يُرِيدُ فِي مَجَالِسِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ (وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ) اتَّفَقَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَلَى تَغْرِيمِ شَاهِدِ الزُّورِ مَا أَتْلَفَ بِشَهَادَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْرِيمِهِ إذَا ادَّعَى الْوَهْمَ وَالشَّبَهَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا غُرْمَ وَلَا أَدَبَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُغَرَّمُ اهـ وَرَاجِعْ شُرَّاحَ قَوْلِهِ " وَعُزِّرَ شَاهِدُ الزُّورِ فِي مَلَأٍ بِنِدَاءٍ " (تَنْبِيهَانِ: الْأَوَّلُ) : مَا تَقَدَّمَ مِنْ إمْضَاءِ الْحُكْمِ فِي رُجُوعِ الشَّاهِدِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُتَبَيَّنْ كَذِبُهُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ فِيمَا شَهِدَ بِهِ أَوَّلًا، وَكَذِبِهِ فِيمَا رَجَعَ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ تَبَيَّنَ كَذِبُهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ إنْ أَمْكَنَ نَقْضُهُ كَاسْتِحْقَاقِ رُبْعٍ وَنَحْوِهِ كَمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَوْتِهِ فَبِيعَتْ تِرْكَتُهُ وَتَزَوَّجَتْ زَوْجَتُهُ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا فَإِنْ ذَكَرَ الشُّهُودُ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فَهَذَا تُرَدُّ إلَيْهِ زَوْجَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ مَتَاعِهِ إلَّا مَا وَجَدَ، وَمَا بِيعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ إنْ وَجَدَهُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَأْتِ الْبَيِّنَةُ بِمَا تُعْذَرُ بِهِ فَذَلِكَ كَتَعَمُّدِهِمْ الزُّورَ فَلْيَأْخُذْ مَتَاعَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ وَعَبْدَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أُعْتِقَ وَأَمَتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ آخِرَ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَشْهُودٍ بِمَوْتِهِ إنْ عُذِرَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِلَّا فَكَالْغَاصِبِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ بِأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا فَحُكِمَ بِقَتْلِهِ، ثُمَّ قَدِمَ حَيًّا قَبْلَ قَتْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَنْتَقِضُ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَحُكِمَ بِرَجْمِهِ، فَوُجِدَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا فَيُنْتَقَضُ الْحُكْمُ، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ إذْ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِلْمَجْبُوبِ يَا زَانِي أَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ نَقْضِهِ، وَيَمْضِي إذْ الْفَرْضُ أَنَّ نَقْضَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَذَلِكَ كَالْحُكْمِ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ فَقُتِلَ ثُمَّ قَدِمَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا، وَكَالْحُكْمِ بِرَجْمِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعٌ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي رُجِمَ مَجْبُوبٌ فَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ لِلْقَذْفِ كَمَا مَرَّ، بَلْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ مَعَ الْأَدَبِ وَطُولِ السَّجْنِ.

(الثَّانِي) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَصِيرُ كَالْعَدَمِ بِغَيْرِ الشَّهَادَةِ بِالزِّنَا مَا إنْ شَهِدُوا بِزِنًى، ثُمَّ رَجَعُوا قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>