للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُمَاثَلَةُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ الْعَمْدِ كَمَا كَانَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ عَمَّةَ الرَّبِيعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ نَضْرٍ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ عَمَّةِ الرَّبِيعِ وَاَلَّذِي بَعَثَك نَبِيًّا بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَا أَنْسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا وَطَلَبُوا الْأَرْشَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبْته بِحُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ وَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(وَأَمَّا خَطَأٌ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا عَمْدٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (وَهُوَ) أَيْ الْخَطَأُ قِسْمَانِ أَمَّا الْخَطَأُ (فِي الْقَصْدِ بِأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا) فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ (أَوْ) يَرْمِي بِظَنِّهِ (حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ مَعْصُومُ) الدَّمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْآدَمِيَّ صَيْدًا وَالْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ فِي الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا) فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْفِعْلِ لَا الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا لِاخْتِلَافِ الْمَحِلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ مَوْضِعٍ فِي جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحِلٌّ وَاحِدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ وَأَبَانَهُ فَهُوَ خَطَأٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَبَانَ رَأْسُهُ فَهُوَ عَمْدٌ.

وَفِي الْمِنَحِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخَطَأُ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ وَقَدْ يَكُونُ فِي ظَنِّ الْفَاعِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَحْوُ أَنْ يَقْصِدَ صَيْدًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا وَأَنْ يَقْصِدَ رَجُلًا فَيُصِيبُ غَيْرَهُ وَإِنْ قَصَدَ عُضْوًا مِنْ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُضْوًا آخَرَ مِنْهُ فَهَذَا عَمْدٌ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَنَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ انْتَهَى (وَأَمَّا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلٌ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ (وَمُوجَبُهُمَا) أَيْ الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ (الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَقَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَصَارَ إجْمَاعًا.

(وَأَمَّا قَتْلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>