للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءُ الْمَطَرِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ فَمَسَحَهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ فَابْتَلَّ ظَاهِرُ خُفَّيْهِ وَلَوْ بِالطَّلِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ (عَلَى الْأَعْلَى) لَا عَلَى أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ دُونَ بَاطِنِهِمَا» .

[سُنَن الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ]

(وَسُنَّتُهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ وَيَمُدَّ إلَى السَّاقِ مُفَرِّجًا أَصَابِعَهُ خُطُوطًا مَرَّةً وَاحِدَةً) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ مَسْحَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ خُطُوطًا فَعُلِمَ أَنَّهُ بِالْأَصَابِعِ دُونَ الْكَفِّ وَمَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا اعْتِبَارَ فَبَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْحِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ، وَسُنَّتُهُ مَدُّهَا إلَى السَّاقِ فَلَوْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لَزِمَ كَوْنُ السُّنَّةِ بِالْمُسْتَعْمَلِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ طَهُورٍ بِالِاتِّفَاقِ

وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْعُضْوِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَنْفَصِلْ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَاءَ يَأْخُذُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ لِإِقَامَةِ الْفَرْضِ لَا لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلٌ بِمُجَرَّدِ الْإِصَابَةِ فِي الْمَسْحِ، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِعْمَالِهِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْعُضْوِ فَهُوَ يَجْرِي فِي الْغَسْلِ دُونَ الْمَسْحِ فَلْيُتَأَمَّلْ (وَيَمْنَعُهُ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ) إلَّا أَنْ يَكُون فَوْقَهُ خُفٌّ آخَرُ فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ (وَهُوَ مَا يَبْدُو مِنْهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْقَدَمِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ (أَصْغَرُهَا) لِلِاحْتِيَاطِ هَذَا إذَا كَانَ خَرْقُ الْخُفِّ غَيْرَ مُقَابِلٍ لِلْأَصَابِعِ، وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقِبِ أَمَّا إذَا كَانَ مُقَابِلًا لَهَا فَالْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِمَّا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرْقِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ فِي مَوْضِعِهَا، وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ لَا يُمْنَعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَكْثَرُهُ.

وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ شُمُولُ الْمَنْعِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَشُمُولُ الْجَوَازِ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا، وَالْقَوْلُ بِغَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْقَدَمِ، وَمَسْحِ مَا لَمْ يَظْهَرْ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ

وَجْهُ الْأَوَّلِ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ لَمَّا كَانَ مَانِعًا كَانَ الْيَسِيرُ كَذَلِكَ كَالْحَدَثِ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْخُفَّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَمَا دَامَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُفِّ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ

وَوَجْهُ الثَّالِثِ، وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ الْخَرْقِ الْقَلِيلِ عَادَةً فَإِنَّ الْخُفَّ، وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا فَإِنَّ آثَارَ الدُّرُوزِ وَالْأَشَافِيِّ خَرْقٌ فِيهِ وَلِهَذَا يَدْخُلُهُ التُّرَابُ فَلَحِقَهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ فَجُعِلَ عَفْوًا وَيَخْلُو عَنْ الْكَثِيرِ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَوَجْهُ الرَّابِعِ أَنَّ الْمَكْشُوفَ يَسْرِي إلَيْهِ الْحَدَثُ دُونَ الْمَسْتُورِ فَيُغْسَلُ الْمَكْشُوفُ دُونَ الْمَسْتُورِ كَمَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>