للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَسْكَنُ عُرْفًا فَدَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ بِإِجَارَةٍ أَوْ بِإِعَارَةٍ بِاعْتِبَارِ عُمُومِ الْمَجَازِ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْحَقِيقَةِ فَرْدًا عَنْ أَفْرَادِ الْمَجَازِ لَا بِاعْتِبَارِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ، وَالْمَجَازِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ مَلِيٍّ) أَيْ غَنِيٍّ (لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ عُرْفًا وَإِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحْنَثُ.

[كِتَابُ الْحُدُودِ]

ِ لَمَّا كَانَتْ الْيَمِينُ لِلْمَنْعِ فِي أَحَدِ نَوْعَيْهَا نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْحُدُودَ عَقِيبَهَا، وَالْحَدُّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْبَوَّابُ حَدَّادًا لِمَنْعِهِ النَّاسَ عَنْ الدُّخُولِ وَسُمِّيَ اللَّفْظُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ حَدًّا؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَعْنَى الشَّيْءِ وَيَمْنَعُ دُخُولَ غَيْرِهِ فِيهِ وَسُمِّيَتْ الْعُقُوبَاتُ الْخَالِصَةُ حَدًّا؛ لِأَنَّهَا مَانِعٌ مِنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا مُعَاوَدَةً وَحُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى مَحَارِمُهُ؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعٌ عَنْهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧] وَحُدُودُ اللَّهِ أَيْضًا أَحْكَامُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ التَّخَطِّي إلَى مَا وَرَاءَهَا وَمِنْهُ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا أَوْ؛ لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعُقُوبَةِ، وَالْعِبَادَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةَ بَعْدَهَا وَمَحَاسِنُ الْحُدُودِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهَا تَرْفَعُ الْفَسَادَ الْوَاقِعَ فِي الْعَالَمِ وَتَحْفَظُ النُّفُوسَ، وَالْأَعْرَاضَ، وَالْأَمْوَالَ سَالِمَةً عَنْ ابْتِذَالٍ وَسَبَبُ كُلٍّ مِنْ الْحُدُودِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ مِنْ الزِّنَا، وَالشُّرْبِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ.

وَفِي الشَّرْعِ (الْحَدُّ) فَاللَّامُ الْجِنْسِ بِقَرِينَةِ مَقَامِ التَّعْرِيفِ فَيَشْمَلُ الْحُدُودَ الْخَمْسَةَ وَهِيَ حَدُّ الْقَذْفِ وَحَدُّ الشُّرْبِ وَحَدُّ السَّرِقَةِ وَحَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَأَمَّا حَدُّ السُّكْرِ فَدَاخِلٌ فِي حَدِّ الشُّرْبِ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً غَايَتُهُ أَنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ شُرْبُ الْخَمْرِ وَشُرْبُ الْمُسْكِرِ بِقَيْدِ السُّكْرِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا قِيلَ أَنَّهَا سِتَّةٌ (عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ) مُبَيَّنَةٌ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ (تَجِبُ) عَلَى الْإِمَامِ إقَامَتُهَا يَعْنِي بَعْدَ ثُبُوتِ السَّبَبِ عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ يُبْتَنَى عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ، وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ تَعْظِيمًا وَامْتِثَالًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ الْأَصْلِيَّ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ الِانْزِجَارُ عَمَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْعِبَادُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْعِلْمَ بِشَرْعِيَّةِ الْحُدُودِ مَانِعٌ قَبْلَ الْفِعْلِ زَاجِرٌ بَعْدَهُ يَمْنَعُ مِنْ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ الْحَدُّ كَفَّارَةً لِلْمَعْصِيَةِ، بَلْ التَّوْبَةُ هِيَ الْمُسْقِطَةُ عَنْهُ عَذَابَ الْآخِرَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>