للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُجَّةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ عِنْدَهُ لِلْحُرِّ (وَأَرْبَعِينَ) سَوْطًا (لِلْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ (مُفَرِّقًا) ذَلِكَ (عَلَى بَدَنِهِ كَمَا فِي) حَدِّ (الزِّنَاءِ) ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الضَّرْبِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَأَشَارَ بِالتَّشْبِيهِ إلَى أَنَّهُ يَتَوَقَّى الْمَوَاضِعَ الْمُسْتَثْنَاةَ فِي حَدِّ الزِّنَاءِ وَأَنَّهُ يَضْرِبُ بِسَوْطٍ لَا عُقْدَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ مِثْلُ الْحَشْوِ، وَفِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُجَرَّدُ.

(وَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ: بِالشُّرْبِ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ زَوَالِ رِيحِهَا) قَيْدٌ لِمَجْمُوعِ الْإِقْرَارِ، وَالشَّهَادَةِ لَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ كَمَا قَرَرْنَاهُ آنِفًا (لَا يُحَدّ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهُ قُدِّرَ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُ اعْتِبَارًا بِحَدِّ الزِّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا قُدِّرَ بِذَهَابِ الرَّائِحَةِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ، فَالتَّقَادُمُ لَا يُبْطِلُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يُحَدُّ إلَّا عِنْدَ قِيَامِ الرَّائِحَةِ وَرَجَّحَ فِي الْغَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فَقَالَ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدِي فِي الْإِقْرَارِ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ.

وَفِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّحِيحُ.

وَفِي الْبَحْرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ قَوْلُهُمَا إلَّا أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَرْجَحُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ دَأْبُهُ. تَدَبَّرْ.

(وَلَا يُحَدُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الرَّائِحَةُ الْخَمْرُ، أَوْ تَقَيَّأَهَا) أَيْ: الْخَمْرَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَرِبَهَا مُكْرَهًا، أَوْ مُضْطَرًّا، وَالرَّائِحَةُ مُحْتَمَلَةٌ أَيْضًا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ بِالشَّكِّ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ طَائِعٌ (أَوْ أَقَرَّ) بِالشُّرْبِ (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْ إقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَعْمَلُ الرُّجُوعُ فِيهِ كَسَائِرِ الْحُدُودِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فَصَارَ شُبْهَةً (أَوْ أَقَرَّ سَكْرَان) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ فَيُحْتَالُ لِلدَّرْءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ حَدٍّ كَانَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَإِلَّا يَصِحُّ كَحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ. وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا.

[السُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ]

(وَالسُّكْرُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَالْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ) هَذَا حَدُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَهْذِيَ وَيَخْلِطَ فِي كَلَامِهِ) أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا، فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ سَكْرَانَ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ أَثَرِ السُّكْرِ فِي مَشْيِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الصَّاحِيَ رُبَّمَا يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ، وَالسَّكْرَانَ قَدْ يَتَمَايَلُ وَيَمْشِي مُسْتَقِيمًا (وَبِهِ) أَيْ: بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ.

وَفِي الْفَتْحِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى لِضَعْفِ دَلِيلِ الْإِمَامِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي قَدْرِ السُّكْرِ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ مَا قَالَاهُ بِالِاتِّفَاقِ لِلِاحْتِيَاطِ.

(وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ) مِنْهُ أَيْ: لَا يُعْتَبَرُ ارْتِدَادُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، وَالِاعْتِقَادِ قَضَاءً أَمَّا دَيَّانَةً، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ التَّكَلُّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الْمِنَحِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ كُفْرٌ.

وَفِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ كَالْمُكْرَهِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ خِلَافُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>