للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَخَرَجَ الْعَبْدُ، وَلَوْ مُدَبَّرًا، أَوْ مُكَاتَبًا أَيْ ثَبَتَ حُرِّيَّتُهُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي وَلَا يَحْلِفُ الْقَاذِفُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ مُحْصَنٌ (مُسْلِمًا) فَخَرَجَ الْكَافِرُ (عَفِيفًا عَنْ الزِّنَى) الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَلَوْ قَيَّدَهُ نَاطِقًا لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَذْفَ الْأَخْرَسِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَلَعَلَّهُ لَوْ كَانَ يَنْطِقُ لَصَدَّقَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِدَرْءِ الْحَدِّ فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ عِنْدَنَا لِلْأَخْرَسِ لِكُلِّ شَيْءٍ إشَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ مَعْهُودَةٌ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ إذَا أَفْهَمَ طَلَبَهُ بِإِشَارَتِهِ الْمَخْصُوصَةِ تَأَمَّلْ.

وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْبُوبًا وَلَا خُنْثَى مُشْكِلًا وَأَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَتْقَاءَ وَلَا خَرْسَاءَ إذْ الْمَجْبُوبُ، وَالرَّتْقَاءُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا الْعَارُ بِذَلِكَ لِظُهُورِ كَذِبِهِ بِيَقِينٍ.

(وَلَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت لِأَبِيك أَوْ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ إنْ) نَفَاهُ عَنْهُ (فِي غَضَبٍ) أَيْ مُشَاتَمَةٍ (حُدَّ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَفْيُهُ فِي غَضَبٍ، بَلْ فِي حَالَةِ الرِّضَى (فَلَا) أَيْ: يُحَدُّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلصُّورَتَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَالْغَايَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ صَاحِبُ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَمَدِينَ خَصُّوا بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالُوا فَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مُحْصَنَةً؛ لِأَنَّهُ قَذَفَ أُمَّهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِيهِ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ ضَرُورَةً وَاقْتِضَاءً وَلَا نِكَاحَ لِغَيْرِ أَبِيهِ فَكَانَ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَى ضَرُورَةً.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إنَّمَا حُدَّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ كَيَا زَانِيَةُ، فَالتَّقْيِيدُ لَغْوٌ، وَإِنْ قَالَ فِي غَضَبٍ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الَّذِي يُدْعَى لَهُ حُدَّ، وَإِنْ قَالَ فِي غَيْرِ غَضَبٍ لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَذْفٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ نَفَى نَسَبَهُ مِنْ أَبِيهِ وَنَفْيُ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ نِسْبَةُ أُمِّهِ إلَى الزِّنَا إلَّا أَنَّ فِي غَيْرِ حَالِ الْغَضَبِ قَدْ يُرَادُ الْمُعَاتَبَةُ أَيْ أَنْتَ لَا تُشْبِهُ أَبَاك فِي الْمُرُوءَةِ، وَالسَّخَاوَةِ فَلَا يُحَدُّ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَفِي الْحَالِ الْغَضَبُ يُرَادُ بِهِ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ انْتَهَى.

فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ وَأُمُّهُ مُحْصَنَةٌ وَخَالَفَ أَكْثَرَ الْمُعْتَبَرَاتِ بِتَعْمِيمِ الْغَضَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ لَكِنْ بَقِيَ فِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ إرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَالِ الْغَضَبِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْأَبَ كَرِيمٌ، وَالِابْنُ بَخِيلٌ مَثَلًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ فِي حَالِ الْغَضَبِ تَهَكُّمًا لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحَدَّ مُطْلَقًا لَكِنْ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ يُحَدُّ فِي حَالِ الْغَضَبِ تَدَبَّرْ.

، وَفِي التَّبْيِينِ لَوْ قَالَ إنَّك ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ أَبِيهِ يُحَدُّ إذَا كَانَ فِي حَالِ الْمُشَاتَمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَفَى الْوِلَادَةَ عَنْ أَبَوَيْهِ بِأَنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ.

(وَلَا يُحَدُّ لَوْ نَفَاهُ عَنْ جَدِّهِ) بِأَنْ قَالَ لَسْت بِابْنِ فُلَانٍ، وَهُوَ جَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي نَفْيِهِ (أَوْ نَسَبَهُ إلَيْهِ) إلَى جَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ مَجَازًا (أَوْ) نَسَبَهُ (إلَى عَمِّهِ، أَوْ خَالِهِ، أَوْ رَابِّهِ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ: زَوْجِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى أَبًا مَجَازًا (أَوْ قَالَ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ) فَإِنَّ فِي ظَاهِرِهِ نَفْيَ كَوْنِهِ ابْنًا لِأَبِيهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ، بَلْ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ، وَالسَّمَاحَةِ، وَالصَّفَاءِ (أَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>