للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً بِأَنْ يُنْكِرَ مَا يَضُرُّهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ أَوْ غَيْرَهَا.

وَفِي التَّنْوِيرِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ بَرْهَنَ قُبِلَ، وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ، وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ لِإِنْكَارِهِ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ.

(وَالِاسْتِصْنَاعُ) لُغَةً طَلَبُ الْعَمَلِ، مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْنِ وَشَرْعًا بَيْعُ مَا يَصْنَعُهُ عَيْنًا فَيَطْلُبُ فِيهِ مِنْ الصَّانِعِ الْعَمَلَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا فَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ كَانَ إجَارَةً لَا اسْتِصْنَاعًا، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعٍ كَخَفَّافٍ مَثَلًا: اصْنَعْ لِي مِنْ مَالِكِ خُفًّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِعِشْرِينَ (بِأَجَلٍ) مَعْلُومٍ كَأَنْ يَقُولَ شَهْرًا مَثَلًا (سَلَمٌ) فَيُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُهُ (فَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ تُعُورِفَ) الِاسْتِصْنَاعُ فِيهِ (أَوْ لَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّلَمَ بِالْأَجَلِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا، وَالِاسْتِصْنَاعُ بِالْأَجَلِ فِي عُرْفِهِمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ ضُرِبَ الْأَجَلُ فِيمَا تُعُورِفَ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَيُحْفَظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَإِنْ ضُرِبَ فِيمَا لَا يُتَعَارَفُ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ لِتَعَذُّرِ، جَعْلِهِ اسْتِصْنَاعًا، وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ اُسْتُصْنِعَ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ عَنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَا يَصِيرُ سَلَمًا بِالْإِجْمَاعِ، وَحُكِيَ عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ، وَإِنْ ذَكَرَ الصَّانِعُ فَسَلَمٌ، وَقِيلَ إنْ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةٍ تُمَكِّنُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ فَاسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَلَمٌ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ.

(، وَ) الِاسْتِصْنَاعُ (بِلَا أَجَلٍ) مَعْلُومٍ (يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا فِيمَا تُعُورِفَ فِيهِ كَخُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَانِي (وَهُوَ بَيْعٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَصْنَعَ فِيهِ الْمَعْدُومَ يُجْعَلُ مَوْجُودًا حُكْمًا كَطَهَارَةِ الْمَعْذُورِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ لِلتَّعَامُلِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَقَدْ اسْتَصْنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا وَمِنْبَرًا فَصَارَ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ بِأَجْرٍ فَإِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ، وَإِنْ أَبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهُ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْمُكْثِ وَمَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ مَجْهُولٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِسَقَّاءٍ: أَعْطِنِي شَرْبَةَ مَاءٍ بِفَلْسٍ أَوْ احْتَجَمَ بِأَجْرٍ (لَا عِدَةً) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَائِلًا: إذَا جَاءَ مَفْرُوغًا عَنْهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَلِذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ بَيْعًا لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، وَهُمَا لَا يُجْرَيَانِ فِي الْمُوَاعَدَةِ.

وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ بَيْعًا بِقَوْلِهِ (فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ) وَلَوْ كَانَ عِدَةً لَمْ يُجْبَرْ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَصْنِعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَمْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>