للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْرُ ذِرَاعَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْفَعَا أَصْوَاتَهُمَا، وَتَقِفُ أَعْوَانُ الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ التَّقَدُّمِ، أَطْلَقَ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فَشَمِلَ السُّلْطَانَ وَالشَّرِيفَ وَالْوَضِيعَ وَالْأَبَ وَالِابْنَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذِّمِّيَّ وَالْعَبْدَ وَالْحُرَّ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَجْلَسَهُمَا فِي جَانِبٍ وَاحِدٍ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَبَ إلَى الْقَاضِي فَتَفُوتُ التَّسْوِيَةُ، وَكَذَا لَوْ أَجْلَسَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ جَانِبَ الْيَمِينِ أَفْضَلُ.

وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى خَاصَمَ السُّلْطَانُ مَعَ رَجُلٍ فَجَلَسَ السُّلْطَانُ مَعَ الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ، وَيُجْلِسَ خَصْمَ السُّلْطَانِ فِيهِ، وَيَقْعُدَ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى.

وَحُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَقْتَ مَوْتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أَنِّي لَا أَمِيلُ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى بِالْقَلْبِ إلَّا فِي خُصُومَةِ النَّصْرَانِيِّ مَعَ الرَّشِيدِ وَلَمْ أُسَوِّ بَيْنَهُمَا وَقَضَيْتُ عَلَى الرَّشِيدِ، ثُمَّ بَكَى (وَإِقْبَالًا وَنَظَرًا) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْجُلُوسِ وَالنَّظَرِ وَالْإِشَارَةِ وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ» ، وَلِأَنَّ فِي عَدَمِ التَّسْوِيَةِ كَسْرَ قَلْبِ الْآخَرِ (وَلَا يُسَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ لَا يُكَلِّمُ الْقَاضِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ سِرًّا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ بِيَدِهِ وَلَا بِرَأْسِهِ وَلَا بِعَيْنِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ (وَلَا يُضِيفُهُ) أَيْ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ (دُونَ الْآخَرِ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَهُمَا مَعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ (وَلَا يَضْحَكُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى أَحَدِهِمَا (وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَا يَتَلَطَّفُ بِهِ (وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّتَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُهْمَةٌ وَعَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَلِأَنَّ فِيهِ كَسْرَ الْقَلْبِ لِلْآخَرِ.

(وَيُكْرَهُ تَلْقِينُهُ) أَيْ تَلْقِينُ الْقَاضِي (الشَّاهِدَ بِقَوْلِهِ أَتَشْهَدُ بِكَذَا) لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَسْتَفِيدُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي زِيَادَةَ عِلْمٍ فَتُوجَدُ إعَانَتُهُ وَهِيَ تُهْمَةٌ (وَاسْتَحْسَنَهُ) أَيْ التَّلْقِينَ (أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ أَعْلَمُ مَكَانَ أَشْهَدُ لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ، وَهُوَ نَوْعُ رُخْصَةٍ عِنْدَهُ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ، وَالْعَزِيمَةُ فِيمَا قَالَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تُهْمَةٍ.

وَفِي الْفَتْحِ: وَظَاهِرُ الْجَوَابِ تَرْجِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

وَفِي الْقُنْيَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ لِزِيَادَةِ تَجْرِبَتِهِ، وَأَمَّا إفْتَاءُ الْقَاضِي فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يُفْتِي أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ.

قَيَّدَ بِالشَّاهِدِ: الْبَيَانُ أَنَّهُ لَا يُلَقِّنُ الْمُدَّعِيَ بِالْأَوْلَى وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ لِيُعْلِمَاهُ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ فَلَا بَأْسَ بِهِ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

(وَلَا يَبِيعُ) الْقَاضِي (وَلَا يَشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَأَطْلَقَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ: وَلَا فِي غَيْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَسَاهَلُونَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ، هَذَا إذَا كَانَ يُكْفَى الْمَئُونَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ يُعَامِلُ مَنْ بِجَانِبِهِ، وَإِلَّا لَا يُكْرَهُ وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْمَدْيُونِ أَوْ الْمَيِّتِ لَا يُكْرَهُ (وَلَا يُمَازِحُ) لِإِذْهَابِهِ هَيْبَةَ الْقَضَاءِ (فَإِنْ عَرَضَ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (هَمٌّ أَوْ نُعَاسٌ أَوْ غَضَبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>