للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى بِالِاخْتِيَارِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي، أَقُولُ قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ يَعْنِي الْمُشَارَكَةَ فِي مُطْلَقِ الْجِنْسِ مَا لَمْ يَكُنْ جِنْسًا أَبْعَدَ كَافِيَةٌ فِي الْقِيَاسِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ.

وَفِي الْجَامِعِ «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ يُجْزِئُ عَنْ الْجِهَادِ أَيْ: يَقُومُ مَقَامَهُ» فَكَأَنَّهُ لِوَقْعَةٍ خَاصَّةٍ مُقْتَضِيَةٍ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَمَرْتَبَةُ الْجِهَادِ أَعْلَى وَأَعْظَمُ.

وَفِيهِ أَيْضًا بِرُّ الْوَالِدَيْنِ يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ كَمَا فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ أَيْضًا فَفِي السَّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّوْرَاةِ أَكْرِمْ أَبَاك وَأُمَّك لِيَطُولَ عُمْرُك فِي الْأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكهَا الرَّبُّ إلَهُك، وَفِيهِ أَيْضًا بِرُّوا آبَاءَكُمْ أَيْ وَأُمَّهَاتِكُمْ يَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ، وَفِي الْمِفْتَاحِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، وَقَالَ «بِرُّ الْوَالِدَةِ عَلَى الْوَالِدِ ضِعْفَانِ» .

وَقَالَ «الْوَالِدَةُ أَسْرَعُ إجَابَةً قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: هِيَ أَرْحَمُ مِنْ الْأَبِ وَدَعْوَةُ الرَّحِيمِ لَا تَسْقُطُ» قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغُلَامُ يُعَقُّ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ وَيُسَمَّى وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ أُدِّبَ فَإِذَا بَلَغَ تِسْعَ سِنِينَ عُزِلَ فِرَاشُهُ فَإِذَا بَلَغَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ضُرِبَ عَلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا بَلَغَ سِتَّ عَشَرَةَ زَوَّجَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَقَالَ أَدَّبْتُك وَعَلَّمْتُك وَأَنْكَحْتُك أَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِتْنَتِك فِي الدُّنْيَا وَعَذَابِك فِي الْآخِرَةِ» وَقِيلَ وَلَدُك رَيْحَانَتُك سَبْعًا وَخَادِمُك تِسْعًا، ثُمَّ هُوَ عَدُوُّك أَوْ صَدِيقُك، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «حَقُّ كَبِيرِ الْإِخْوَةِ عَلَى صَغِيرِهِمْ كَحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ» انْتَهَى وَفِي الْمُنَاوِيِّ عِنْدَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ فِي وُجُوبِ احْتِرَامِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَعَدَمِ مُخَالَفَةِ مَا يُشِيرُ بِهِ وَيَرْتَضِيهِ (وَأَنَّ الْكُفْرَ لَا يَحِلُّ) أَيْ لَا يَجْعَلُ حَلَالًا (الْعُقُوقَ) لِلْوَالِدَيْنِ فِي الْفَيْضِ عَنْ الرَّازِيّ قَوْله تَعَالَى - {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: ٢٣]- غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتَّبَ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فَالْعِلَّةُ مُجَرَّدُ كَوْنِهِمَا وَالِدَيْنِ، وَلَوْ كَافِرَيْنِ وَقِيلَ قَوْله تَعَالَى - {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥]- أُنْزِلَتْ فِي الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ (حَتَّى يَجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ) ، وَكَذَا الْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى إمَّا بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ تَغْلِيبٍ أَوْ بِطَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ (وَخِدْمَتُهُمَا وَبِرُّهُمَا وَزِيَارَتُهُمَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَجْلِبَاهُ إلَى الْكُفْرِ) بِحَدَاثَةِ سِنِّهِ أَوْ بِحَدَاثَةِ إسْلَامِهِ وَلَمْ تَرْسُخْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ فِي قَلْبِهِ (فَيَجُوزُ أَنْ لَا يَزُورَ حِينَئِذٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ) وَمُقْتَضَى التَّفْرِيعِ أَنْ يَضُمَّ الْخِدْمَةَ لَا سِيَّمَا الْخِدْمَةُ فِي دَاخِلِ الْبَيْتِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاضْطِرَارِ فَالْهَلَاكُ عِنْدَ عَدَمِ الْخِدْمَةِ قَطْعِيٌّ وَالْجَلْبُ إلَى الْكُفْرِ وَهْمِيٌّ (وَلَا يَقُودُهُمَا إلَى الْبِيعَةِ) مَثَلًا (وَيَقُودُهُمَا مِنْهَا إلَى الْمَنْزِلِ) ؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ إلَيْهَا مَعْصِيَةٌ بِخِلَافِهِ إلَى الْمَنْزِلِ.

(تَتِمَّةٌ) فِي تَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ فَلَا يُرْضِعُ إلَّا صَالِحَةٌ لَا تَأْكُلُ الْحَرَامَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْحَاصِلَ مِنْ الْحَرَامِ لَا بَرَكَةَ لَهُ، وَإِذَا رَضَعَ مِنْهُ مَالَ طَبْعُهُ إلَى مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْخَبَائِثِ، ثُمَّ يُعَلِّمُهُ آدَابَ الْأَكْلِ بِحَيْثُ لَا يُوَالِي اللُّقَمَ وَلَا يُلَطِّخُ يَدَهُ وَثَوْبَهُ، وَيَذُمُّ عِنْدَهُ سَيِّئَ الْأَخْلَاقِ مِنْ الصِّبْيَانِ، وَيَمْدَحُ حِسَانَ أَخْلَاقِهِمْ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْمَكْتَبِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَيَذْكُرَ عِنْدَهُ أَحَادِيثَ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنَاقِبَ الصُّلَحَاءِ، وَيَحْفَظُهُ عَمَّنْ لَا يَضْبِطُ لِسَانَهُ عَنْ الْفُحْشِ وَلَا جَوَارِحَهُ عَنْ الْقَبَائِحِ كَالشُّعَرَاءِ فَإِذَا صَدَرَ مِنْهُ خُلُقٌ جَمِيلٌ أَوْ فِعْلٌ حَسَنٌ يُكْرَمُ وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحُ بِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ، فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ أَحْيَانًا يُتَغَافَلُ وَلَا يُكْشَفُ، فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا يُعَاقَبُ سِرًّا وَيُهَدِّدُهُ وَيَجْعَلُ الْأَمْرَ عَظِيمًا وَلَا يُكْثِرُ التَّخْوِيفَ بِالْعِقَابِ فِي كُلِّ حِينٍ، وَالْأُمُّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ بِالْقَبَائِحِ، وَيُعَوَّدُ الْخُشُونَةَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمِفْرَشِ، وَيُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالْحِلْمَ وَالْإِكْرَامَ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ، وَيُعَلَّمُ الْعَطَاءَ وَيُمْنَعُ الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَيُقَبَّحُ إلَيْهِ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالطَّمَعُ، وَيُعَلَّمُ آدَابَ الْجُلُوسِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُمْنَعُ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ وَيُؤْذَنُ بَعْدَ الْمَكْتَبِ أَوْ التَّعْلِيمِ بِاللَّعِبِ الْيَسِيرِ لِئَلَّا يَذْهَبَ ذَكَاؤُهُ وَيَمُوتَ قَلْبُهُ وَيُعَلَّمُ طَاعَةَ الْوَالِدَيْنِ وَطَاعَةَ مُعَلِّمِهِ وَمُؤَدِّبِهِ وَمَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ وَقَوَاعِدَ إكْرَامِهِمْ وَيُمْنَعُ مِنْ اللَّعِبِ فِي مَحْضَرِهِمْ وَيُعَلِّمُهُ مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ، وَيُخَوِّفُهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>