للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالرِّيحِ إذَا مَرَّتْ عَلَى النَّتْنِ حَمَلَتْ نَتِنًا، وَإِذَا مَرَّتْ عَلَى الطَّيِّبِ حَمَلَتْ طَيِّبًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا لَهُ مُحِبٌّ وَمُبْغِضٌ، فَإِذَنْ لَا مَخْلَصَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ أَخٌ لِآخِرَتِك فَلَا تُرَاعِ فِيهِ إلَّا الْخُلُقَ، وَأَخٌ تُسَافِرُ بِهِ فَلَا تُرَاعِ فِيهِ إلَّا السَّلَامَةَ مِنْ شَرِّهِ قَالَ فِي الْحُكْمِ لَا تَصْحَبْ مَنْ لَا يُنْهِضُك حَالُهُ وَلَا يَدُلُّك عَلَى اللَّهِ مَقَالُهُ.

وَقَالَ التُّسْتَرِيُّ احْذَرْ صُحْبَةَ ثَلَاثَةٍ الْجَبَابِرَةِ الْغَافِلِينَ وَالْقُرَّاءِ الْمُدَاهِنِينَ وَالصُّوفِيَّةِ الْجَاهِلِينَ أَيْ الَّذِينَ قَنَعُوا بِظَاهِرِ النِّسْبَةِ وَتَحَلَّوْا لِلنَّاسِ بِالزُّهْدِ وَالتَّعَبُّدِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى النَّاسِ فِتْنَةٌ وَبَلَاءٌ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَطَعَ ظَهْرِي رَجُلَانِ عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَجَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ فَعَلَيْك بِامْتِحَانِ مَنْ أَرَدْت صُحْبَتَهُ لَا لِكَشْفِ عَوْرَةٍ بَلْ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ. كَذَا فِي الْفَيْضِ لَعَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَدُورُ حَدِيثُ «اسْتَكْثِرْ مِنْ الْإِخْوَانِ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً» وَمُعْظَمُ فَائِدَةِ عَقْدِ الْأُخُوَّةِ هُوَ التَّبَرُّكُ بِالدُّعَاءِ وَرَجَاءُ انْتِظَارِ الشَّفَاعَةِ وَمُتَابَعَةُ السِّيرَةِ، وَفِي تَعْلِيمِ الْمُتَعَلِّمِ.

وَيَفِرُّ مِنْ الْكَسْلَانِ وَالْمُعَطِّلِ وَالْمُفْسِدِ وَالْفَتَّانِ

عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَأَبْصِرْ قَرِينَهُ ... فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي

فَإِنْ كَانَ ذَا شَرٍّ فَجَنِّبْهُ سُرْعَةً ... وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ فَقَارِنْهُ تَهْتَدِي

«وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ» لِأَنَّ الْمُطَاعَمَةَ تُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَتُؤَدِّي إلَى الْخُلْطَةِ بَلْ هِيَ أَوْثَقُ عُرَى الْمُخَالَطَةِ وَمُخَالَطَةُ غَيْرِ التَّقِيِّ تُخِلُّ بِالدِّينِ وَتُوقِعُ فِي الشُّبَهِ وَالْمَحْظُورَاتِ فَكَأَنَّهُ يَنْهَى عَنْ مُخَالَطَةِ الْفُسَّاقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حِرْمَانَ غَيْرِ التَّقِيِّ مِنْ الْإِحْسَانِ بَلْ يُطْعِمُهُ وَلَا يُخَالِطُهُ إلَّا بِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ وَالْإِرْشَادِ إنْ مَرْجُوًّا فَالْمَعْنَى لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُطِيعًا وَلَا تُخَالِلْ إلَّا تَقِيًّا.

(غَرِيبَةٌ) قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اجْتَمَعَ جَمْعٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِدَعْوَةٍ وَقَدَّمُوا الطَّعَامَ وَاحْتَاجُوا آنِيَةً وَثَمَّةَ إنَاءُ زُجَاجٍ جَدِيدٍ أُعِدَّ لِلْبَوْلِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فَأَكَلُوا فِيهِ فَنَطَقَ مُنْذُ أَكْرَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْلِ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ لَا أَكُونُ وِعَاءً لِلْأَذَى، ثُمَّ انْكَسَرَ نِصْفَيْنِ فَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ؟ قَالُوا لَا. قَالَ قَالَ كَذَا وَقَالَ غَيْرَ هَذَا أَيْضًا قَالَ قُلُوبُكُمْ أَكْرَمَهَا اللَّهُ بِالْإِيمَانِ فَلَا تَرْضَوْا أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِنَجَاسَةِ الْمَعْصِيَةِ وَحُبِّ الدُّنْيَا.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي حَدِيثِ «اسْتَكْثِرُوا مِنْ الْإِخْوَانِ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً» الْمُرَادُ مِنْ الْإِخْوَانِ هُمْ الْأَخْيَارُ فَكُلَّمَا كَثُرَتْ إخْوَانُكُمْ كَثُرَتْ شُفَعَاؤُكُمْ وَذَلِكَ أَرْجَى لِلْفَلَاحِ وَأَقْرَبُ لِلصَّلَاحِ وَالنَّجَاحِ، ثُمَّ قَالَ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا الْأَخْيَارُ إخْوَانُ هَذَا الزَّمَانِ فَيَنْبَغِي الْإِقْلَالُ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ

عَدُوُّك مِنْ صِدِّيقِك مُسْتَفَادٌ ... فَلَا تَسْتَكْثِرَنَّ مِنْ الصِّحَابِ

فَإِنَّ الدَّاءَ أَكْثَرُ مَا تَرَاهُ ... يَكُونُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

قَالَ الْغَزَالِيُّ سَمِعْت ابْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ لِلثَّوْرِيِّ أَوْصِنِي قَالَ أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ قُلْت أَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَكْثِرُوا مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ فَإِنَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ شَفَاعَةً قَالَ لَا أَحْسِبُك رَأَيْت قَطُّ مَا تَكْرَهُ إلَّا مِمَّنْ تَعْرِفُ، ثُمَّ مَاتَ فَرَأَيْته فِي النَّوْمِ فَقُلْت أَوْصِنِي قَالَ أَقْلِلْ مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِ مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّ التَّخَلُّصَ مِنْهُمْ شَدِيدٌ.

(ت عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ» لِأَنَّ لِلْمُجَاوَرَةِ تَأْثِيرًا فِي التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ.

(فُرُوعٌ)

وَفِي الْحَدِيثِ «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ» وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِخْبَارِ لِيَزْدَادَ حُبًّا وَأَيْضًا «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» وَأَيْضًا «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ صَاحِبَهُ فَلْيَأْتِهِ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ لِلَّهِ» وَأَيْضًا «إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ عَبْدًا» يَعْنِي إنْسَانًا «فَلْيُخْبِرْهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ لَهُ» كُلُّهُ فِي الْجَامِعِ

وَإِذَا اعْتَرَاك الْوَهْمُ مِنْ حَالِ امْرِئٍ ... وَأَرَدْت تَنْظُرَ خَيْرَهُ مِنْ شَرِّهِ

فَاسْأَلْ ضَمِيرَك عَنْ ضَمِيرِ فُؤَادِهِ ... يُنْبِئُك سِرُّك بِاَلَّذِي فِي سِرِّهِ

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «اسْتَكْثِرُوا مِنْ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ رَبِّي حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ عَبْدَهُ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>