للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَذْهَبُ إلَى مَا فَوْقَهُ فَسُنَّ بِسُكُوتِهِ وَتَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ مِنْ السُّنَّةِ التَّقْرِيرِيَّةِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ أَنَّهُمْ إنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِنْ يَشْكُلُ بِحَدِيثِ الْجَامِعِ «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» وَفَسَّرَ شَارِحُهُ أَيْ احْفَظُوا حُرْمَةَ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى قَدْرِهِ وَعَامِلُوهُ بِمَا يُلَائِمُ فِي دِينٍ وَعِلْمٍ وَشَرَفٍ فَلَا تُسَوُّوا بَيْنَ الْخَادِمِ وَالْمَخْدُومِ وَالرَّئِيسِ وَالْمَرْءُوسِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ عَدَاوَةً وَحِقْدًا فِي النُّفُوسِ وَهَذَا مِنْ تَأْدِيبِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّتَهُ وَتَعْلِيمِهِمْ إيفَاءَ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَإِكْرَامِ ذِي الشَّيْبَةِ وَإِجْلَالِ الْكَبِيرِ، وَبِحَدِيثِهِ أَيْضًا «أَنْزِلْ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ» قَالَ شَارِحُهُ، فَإِنَّ الْإِكْرَامَ غِذَاءُ الْآدَمِيِّ وَالتَّارِكُ لِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ لَا يَسْتَقِيمُ حَالُهُ وَقَدْ دَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَحْوَالَ عِبَادِهِ غِنًى وَفَقْرًا وَعِزًّا وَذُلًّا وَرِفْعَةً وَضِعَةً لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ شُكْرًا، فَإِذَا لَمْ يُنْزِلْهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُخَالِقْهُ بِخُلُقٍ حَسَنٍ فَقَدْ اسْتَهَانَ بِهِ وَجَفَاهُ وَتَرَكَ مُوَافَقَةَ اللَّهِ فِي تَدْبِيرِهِ، فَإِذَا سَوَّيْت بَيْنَ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ أَوْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ عَطِيَّةٍ كَانَ مَا أَفْسَدْت أَكْثَرَ مِمَّا أَصْلَحْت فَالْغَنِيُّ إذَا أَقْصَيْت مَجْلِسَهُ أَوْ احْتَقَرْت هَدِيَّتَهُ يَحْقِدُ عَلَيْك وَإِذَا عَامَلَتْ الْوُلَاةَ مُعَامَلَةَ الرَّعِيَّةِ فَقَدْ عَرَّضْت نَفْسَك لِلْبَلَاءِ أَقُولُ التَّوْفِيقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِي حُضُورِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبَيْنَ مَا فِي غِيَابِهِ أَوْ يَجْعَلُ الْأَخِيرِينَ قَيْدًا لِلْأَوَّلِ بِمَعْنَى جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي إنْ كَانَ هُوَ مَنْزِلَهُ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ الْقَوْلِيِّ عَلَى السُّكُوتِيِّ وَالصَّرِيحِ عَلَى الْكِنَايَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ احْتِجَاجًا، فَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ عَدَمِ التَّوْفِيقِ وَأَيْضًا إنَّ قَوْلَهُ أَحَدُنَا لَيْسَ نَصًّا فِي الِاسْتِغْرَاقِ فَافْهَمْ (د عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجْلِسْ» أَنْتَ «بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا» ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْحِقْدَ وَإِيذَاءً بِاحْتِقَارِهِمَا (وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ» لِإِنْسَانٍ «أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا» وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحَبَّةٌ وَجَرَيَانُ سِرٍّ وَكَلَامٍ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا التَّفَرُّقَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةٌ وَفِي الْجَامِعِ رِوَايَةٌ عَلَى هَذَا الْمَخْرَجِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

(وَمِنْهَا الْقُعُودُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُصِيبَةِ، فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ) لِأَجْلِ التَّعْزِيَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُصِيبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ وَفِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ رُخِّصَ لِلرِّجَالِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالتَّرْكُ أَوْلَى وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَقْتُ تَعْزِيَةِ مَنْ يَمُوتُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَيُكْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُجَدِّدُ الْحُزْنَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِهَا (وَكَذَا لِلتِّجَارَةِ وَالْكَسْبِ) وَيَجُوزُ لِلْقَيِّمِ لِضَرُورَةِ حِفْظِ الْمَسْجِدِ (حَتَّى الْكِتَابَةُ بِالْأُجْرَةِ) وَأَمَّا الْكِتَابَةُ لِنَفْسِهِ لِلِانْتِفَاعِ فَجَائِزٌ وَيَدْخُلُ فِيهِ فَتْوَى الْمُفْتِي بِأُجْرَةٍ كَمَا سَبَقَ لَكِنْ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ تَجْوِيزِ الْقَيِّمِ لِلضَّرُورَةِ تَجْوِيزُهُ لِلْمُعْتَكِفِ لِلضَّرُورَةِ أَيْضًا (وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلسَّقَّاءِ) الَّذِي يُسْبِلُ الْمَاءَ فِي الْمَسْجِدِ بِالْأُجْرَةِ (هَذَا الْحُكْمُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ فَيُكْرَهُ وَمَا قِيلَ فِي السَّقَّاءِ فِي الْمَسْجِدِ نَفْعٌ وَإِعَانَةٌ عَلَى الْخَيْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَرِهَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَمْ أَعْلَمْ مُرَادَهُ فَمِنْ قَبِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>