للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَهَى وَقَالَ إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِأَجْلِ الْحُرُوفِ وَهَكَذَا عَنْ قَاضِي خَانْ، ثُمَّ قَالَ فِي النِّصَابِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَمْنَعُونَ مِنْ كِتَابَةِ قَوْلِهِ الْعِزُّ وَالْإِقْبَالُ وَنَحْوُهُ عَلَى الْعَصَا وَالطَّشْتِ وَالْإِبْرِيقِ وَالْقَدَحِ وَغِلَافِ السُّرُوجِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ كُلَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ مُبْتَذَلَةٌ فَتُصَانُ الْحُرُوفُ عَنْ الِابْتِذَالِ وَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ لِلِابْتِذَالِ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ الْحُرُوفُ الْمُفْرَدَةُ تُحْتَرَمُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ انْتَهَى لَا يَخْفَى عَدَمُ جَرَيَانِ الْعِلَّةِ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَ، ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ النِّصَابِ أَيْضًا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْكَاغَدِ الصَّالِحِ لِلْكِتَابَةِ فِيمَا يُسْتَهَانُ مَكْرُوهٌ، وَفِيهِ أَيْضًا الْكُتُبُ الَّتِي يُسْتَغْنَى عَنْهَا، وَفِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى تُلْقَى فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْجَارِي أَوْ تُدْفَنُ فِي أَرْضٍ طَيِّبَةٍ وَلَا تُحْرَقُ بِالنَّارِ، وَفِي التتارخانية الْمُصْحَفُ الَّذِي خَلِقَ وَتَعَذَّرَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يُحْرَقُ بَلْ يُلَفُّ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَيَحْفِرُ حَفِيرَةً بِلَحْدٍ بِلَا شَقٍّ أَوْ يَجْعَلُ سَقْفًا وَيُدْفَنُ أَوْ يُوضَعُ بِمَكَانٍ طَاهِرٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ الْغُبَارُ وَالْأَقْذَارُ، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يُدْفَنُ أَوْ يُحْرَقُ اهـ مُلَخَّصًا وَكَذَا عَنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَعَنْ الْمُجْتَبَى الدَّفْنُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِلْقَاءِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي كَالْأَنْبِيَاءِ وَكَذَا جَمِيعُ الْكُتُبِ، وَفِي التتارخانية الْأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَهَا وَيَأْخُذَ الْقَرَاطِيسَ، وَعَنْ الْحَلِيمِيِّ لَا بَأْسَ بِالْإِحْرَاقِ لِإِحْرَاقِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَصَاحِفَ فِيهَا آيَاتٌ مَنْسُوخَةٌ بِلَا نَكِيرٍ، وَأَيْضًا قِيلَ الْإِحْرَاقُ أَوْلَى مِنْ الْغُسْلِ لِوُقُوعِ الْغُسَالَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ حَرَّمَ الْإِحْرَاقَ لِتَنَافِيهِ الِاحْتِرَامَ وَكَرِهَ النَّوَوِيُّ هَذَا وَأَقُولُ الرَّاجِحُ هُوَ الدَّفْنُ أَوْ الْغَسْلُ لَا الْإِحْرَاقُ لِقُوَّةِ قَائِلِهِمَا وَدَلِيلِهِمَا وَلِتَرْجِيحِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَالظَّاهِرُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ بِلَا نَكِيرٍ لَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْلُ بِخِلَافِهِ، وَدَعْوَى عَدَمِ وُصُولِ ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ إلَيْهِمْ سُوءُ ظَنٍّ بِهِمْ وَطَعْنٌ فِي فَقَاهَتِهِمْ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَاقَ لَازِمٌ لِلِاسْتِهَانَةِ وَمُخِلٌّ بِالتَّعْظِيمِ (أَقُولُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ السُّفْرَةِ أَوْ الْخِرْقَةِ لِلْوُضُوءِ أَوْ نَحْوِهِ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا بَيْتٌ أَوْ مِصْرَاعٌ أَوْ كَلِمَةٌ أَوْ حَرْفٌ كَذَلِكَ) فِي الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِمَّا يُسْتَهَانُ بِهَا وَالْحُرُوفُ مِمَّا لَهُ حُرْمَةٌ أَقُولُ السَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ أَنَّ حُرْمَةَ الْحُرُوفِ إنْ كَانَتْ فَرْدَةً لِصَلَاحِيَّتِهَا لَأَنْ تَكُونَ جُزْءًا مِنْ نَحْوِ اسْمِهِ تَعَالَى أَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ نَحْوِ اسْمِ نَبِيِّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْأَبْيَاتِ الْخَالِيَةِ عَنْ نَحْوِ اسْمِهِ تَعَالَى فَلَا بُعْدَ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي النِّصَابِ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ اسْمِ أَبِي جَهْلٍ فَهَذَا مِمَّا يَبْعُدُ.

[إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ]

(وَمِنْهَا إمْسَاكُ الْمَعَازِفِ) أَيْ آلَاتِ اللَّهْوِ (فِي الْبَيْتِ) ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَعْمِلُهَا، فَإِنَّهُ إثْمٌ؛ لِأَنَّ إمْسَاكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ عَادَةً لِلَّهْوِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ.

(وَمِنْهَا التَّصَدُّقُ عَلَى السَّائِلِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا وَلَا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ وَلَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُخْتَارِ) إذْ عِنْدَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا قَالَ الْمُحَشِّي كَوْنُ الْجَوَازِ مُخْتَارًا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: احْتِيَاجُ السَّائِلِ إلَى الْقُوتِ أَوْ الْكِسْوَةِ لِلسَّتْرِ أَوْ لِدَفْعِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ أَوْ لِدَيْنٍ وَيَكْفِي فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى الصَّلَاحِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْحَالِ قَبْلَهُ، وَعَدَمُ التَّخَطِّي، وَعَدَمُ الْمُرُورِ الْمَذْكُورِ، وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ أَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ يُخْرِجُهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ هَؤُلَاءِ

(وَمِنْهَا التَّصَدُّقُ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْرِفٌ) قَطْعًا وَإِلَّا فَحُسْنُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ مَا أَمْكَنَ لَازِمٌ (أَوْ صَارِفٌ إلَى مَعْصِيَةٍ) وَإِنْ قَلَّ إذْ الْإِعَانَةُ عَلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ فَيَشْتَرِكُ فِي الْإِثْمِ.

(وَمِنْهَا الِانْتِفَاعُ بِبَدَلِ مَا أَخَذَ غَلَطًا عَلِمَ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَيَكُونُ لُقَطَةً فَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامٌ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ) عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>