للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَرَجَعَ فَقِيلَ لَهُ لَوْ حَوَّلَتْ رَأْسَ دَابَّتِكَ) مَا يَلْزَمُ شَيْءٌ (فَقَالَ) إبْرَاهِيمُ (إنَّمَا اسْتَأْجَرْتُهَا لِأَذْهَبَ وَلَمْ اسْتَأْجِرْهَا لِأَرْجِعَ) وَمِثْلُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرَخَّصًا فِي الْعَادَةِ وَجَائِزًا فِي الْفَتْوَى لَكِنْ لِكَمَالِ وَرَعِهِ وَاهْتِمَامِهِ احْتَاطَ وَنَزَلَ فَهَذَا عَمَلٌ بِالتَّقْوَى.

(وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ) لَعَلَّهُ مِنْ التَّابِعِينَ (وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ فِي الشَّامِ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ فَانْكَسَرَ قَلَمُهُ فَاسْتَعَارَ قَلَمًا فَلَمَّا فَرَغَ نَسِيَ الْقَلَمَ وَجَعَلَهُ فِي مِقْلَمَتِهِ فَلَمَّا رَجَعَ إلَى مَرْوَ رَأَى الْقَلَمَ وَعَرَفَ (أَنَّهُ عَارِيَّةٌ) فَتَجَهَّزَ بِالْخُرُوجِ إلَى الشَّامِ لِيَرُدَّ الْقَلَمَ) مَعَ خِفَّةِ ثَمَنِهِ وَقِلَّةِ أَمْرِهِ تَحَرُّزًا عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَاحْتِيَاطًا فِي أَمْرِ دِينِهِ عَنْ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الشَّامِ وَمَرْوَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَعَدَمُ إرْسَالِهِ بِالْغَيْرِ إمَّا لِعَدَمِ وُجُودِهِ أَوْ لِعَدَمِ وَثَاقَتِهِ، ثُمَّ قَوْلُهُ فَتَجَهَّزَ إمَّا كِنَايَةٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْمُسَافَرَةِ أَوْ التَّأَخُّرِ عَنْ الْخُرُوجِ لِمَانِعٍ.

ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُمَثِّلَ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْبَهَائِمِ فَقَالَ (وَعَنْ أَبِي يَزِيدَ الْبِسْطَامِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ اشْتَرَى بِهَمَذَانَ حَبَّ الْقُرْطُمِ) ثَمَرُ شَجَرِ الْعُصْفُرِ (فَفَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَحَمَلَهُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعَ إلَى بِسْطَامٍ رَأَى فِيهِ نَمْلَتَيْنِ فَرَجَعَ) مِنْ بِسْطَامٍ (إلَى هَمَذَانَ) لِأَجْلِ النَّمْلَتَيْنِ مَرْحَمَةً لَهُمَا وَشَفَقَةً بِهِمَا وَخَوْفًا مِنْ احْتِمَالِ ظُلْمِهِمَا بِتَفْرِيقِهِمَا مِنْ رُفَقَائِهِمَا وَمَكَانِهِمَا وَبَيْنَ هَمَذَانَ وَبِسْطَامَ مُدَّةُ أُسْبُوعٍ (وَوَضَعَ النَّمْلَتَيْنِ) مَكَانَهُمَا. (وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ غَسَلَ ثَوْبَهُ فِي الصَّحْرَاءِ مَعَ صَاحِبٍ لَهُ فَقَالَ صَاحِبُهُ نُعَلِّقُ الثِّيَابَ مِنْ جُدَرَانِ الْكُرُومِ) أَشْجَارُ الْعِنَبِ (فَقَالَ لَا نَغْرِزُ الْوَتَدَ فِي جِدَارِ النَّاسِ فَقَالَ) الصَّاحِبُ (نُعَلِّقُهُ مِنْ الشَّجَرِ فَقَالَ) الشَّيْخُ (لَا) نَفْعَلُ (لِأَنَّهُ يَكْسِرُ الْأَغْصَانَ) فَيَتَضَرَّرُ صَاحِبُهَا (فَقَالَ نَبْسُطُهُ عَلَى الْإِذْخِرِ) نَبْتٌ مَعْرُوفٌ (فَقَالَ لَا؛ لِأَنَّهُ عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا نَسْتُرُهُ عَنْهَا) عَنْ الدَّوَابِّ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَيْنَا حَقُّهَا (فَوَلَّى) الشَّيْخُ (ظَهْرَهُ إلَى الشَّمْسِ حَتَّى جَفَّ جَانِبُهُ) الَّذِي يَلِيهَا (ثُمَّ قَلَبَهُ حَتَّى جَفَّ الْجَانِبُ الْآخَرُ) فَجَعَلَ نَفْسَهُ وِقَايَةً بَيْنَ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَحَقِّ الْبَهِيمَةِ

فَهُوَ مِنْ كَمَالِ التَّوَرُّعِ وَلِزِيَادَةِ اهْتِمَامٍ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَالْحَيَوَانِ (وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْلِسُ فِي ظِلِّ شَجَرَةِ غَرِيمِهِ) أَيْ مَدْيُونِهِ لِئَلَّا يَنْتَفِعَ مِنْهُ (وَيَقُولُ فِي الْخَبَرِ «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا» إلَى الْمُقْرِضِ «فَهُوَ رِبًا» ، فَإِنَّ الِاسْتِظْلَالَ مِنْ قَبِيلِ جَرِّ النَّفْعِ.

لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ رِبًا عِنْدَ كَوْنِ النَّفْعِ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ فِي الْفَتْوَى فَاحْتِرَازُهُ عَنْهُ بِلَا اشْتِرَاطِ طَرِيقِ التَّقْوَى وَالْحَدِيثُ بِلَفْظِ «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» فِي الْجَامِعِ عَلَى تَخْرِيجِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ شَارِحُهُ عَنْ السَّخَاوِيِّ إنَّ إسْنَادَهُ سَاقِطٌ، وَعَنْ الذَّهَبِيِّ مَتْرُوكٌ لَكِنْ قِيلَ إنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ اعْتَضَدَ بِمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>