للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.

(وَيَقُولُونَ: هِيَ) أَيْ النَّظَافَةُ (مَبْنَى الدِّينِ) بِنَاؤُهُ وَأَصْلُهُ (فَأَكْثَرُ أَوْقَاتِهِمْ فِي تَزْيِينِهِمْ الظَّوَاهِرَ كَفِعْلِ الْمَاشِطَةِ) الْمَرْأَةِ الْمُزَيِّنَةِ (لِعَرُوسِهَا وَالْبَاطِنُ خَرَابٌ مَشْحُونٌ) مَمْلُوءٌ بِخَبَائِثِ الْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَالرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ (وَهُوَ أَحَقُّ بِالنَّظَافَةِ) لِكَوْنِهِ مَحَلَّ نَظَرِ الْحَقِّ مِنْ الْخَلْقِ (وَلَا يَسْتَنْكِرُونَ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَعُدُّونَ تَزْيِينَ الظَّوَاهِرِ مَعَ خَرَابِ الْبَاطِنِ أَمْرًا مُنْكَرًا، وَلَا يَقْصِدُونَ الْإِصْلَاحَ وَالْإِزَالَةَ (وَلَا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ) أَيْ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ تَعَجُّبٌ وَانْفِعَالٌ وَتَأَثُّرٌ حَتَّى يَقْصِدُوا إزَالَتَهُ (وَلَوْ اقْتَصَرَ مُقْتَصِرٌ عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ أَوْ مَشَى حَافِيًا) عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ) مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ (وَعَلَى بَوَارِي) أَيْ حَصِيرِ (الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ سَجَّادَةٍ أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ آنِيَةِ عَجُوزٍ أَوْ آنِيَةِ رَجُلٍ غَيْرِ مُتَقَشِّفٍ) أَيْ مُتَعَمِّقٍ وَمُسْتَقْصٍ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ مَعَ أَنَّهَا مُسْتَحْسَنٌ، وَمَسْنُونٌ فِي الشَّرْعِ (لَأَقَامُوا فِيهِ الْقِيَامَةَ) بِالْإِنْكَارِ وَاللَّوْمِ لَعَلَّ كُلَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ بِالتَّجْرِبَةِ أَوْ الْأَمَارَاتِ، وَإِلَّا فَأَكْثَرُهَا وِجْدَانِيٌّ يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ سُوءِ الظَّنِّ (وَشَدَّدُوا عَلَيْهِ النَّكِيرَ) مَعَ أَنَّ النَّكِيرَ حَرِيٌّ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ.

(وَلَقَّبُوهُ بِالْقَذِرِ وَأَخْرَجُوهُ مِنْ زُمْرَتِهِمْ) جَمَاعَتِهِمْ (وَاسْتَنْكَفُوا مِنْ مُؤَاكَلَتِهِ وَمُخَالَطَتِهِ) زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَحَاشٍ عَنْ النَّجَاسَاتِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِسُنِّيَّتِهِ يُخَافُ مِنْهُ خَطَأٌ عَظِيمٌ (فَسَمَّوْا الْبَذَاذَةَ) أَيْ الْحَقَارَةَ وَرَثَاثَةَ الْهَيْئَةِ (الَّتِي هِيَ مِنْ) ثَمَرَاتِ (الْإِيمَانِ قَذَارَةً) أَيْ نَجَاسَةً (وَالرُّعُونَةَ) أَيْ الْجَهَالَةَ وَالْحَمَاقَةَ (نَظَافَةً) يَعْنِي إذَا لَقَّبُوا الِاقْتِصَارَ الْمَذْكُورَ الْمَسْنُونَ بِالْقَذَارَةِ لَزِمَ أَنْ يُسَمُّوا الْأَمْرَ الْمَسْنُونَ الَّذِي هُوَ الْبَذَاذَةُ وَثَمَرَةُ الْإِيمَانِ بِالْقَذَارَةِ الَّتِي هِيَ أَغْلَظُ النَّجَاسَاتِ وَأَفْحَشُ الْمُسْتَقْذَرَاتِ هَذَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا تَفْرِيعُ قَوْلِهِ، وَالرُّعُونَةَ نَظَافَةٌ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عَطْفِ الرُّعُونَةِ عَلَى الْبَذَاذَةِ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الِالْتِزَامِيَّةَ، وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا لَيْسَ إلَّا عَكْسَ الْمَشْرُوعِ وَالْمَوْضُوعِ، وَتَغْيِيرَ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ بَلْ وَضْعُ شَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ لِشَرِيعَةٍ ثَابِتَةٍ.

وَلِهَذَا قَالَ (فَانْظُرْ) يَا مَنْ شَأْنُهُ النَّظَرُ وَالتَّأَمُّلُ (كَيْفَ صَارَ الْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا وَالْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا) فِي جَعْلِهِمْ فَإِنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ مَثَلًا مَسْنُونٌ، وَمَعْرُوفٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي الشَّرِيعَةِ، وَمُنْكَرٌ فِي جَعْلِهِمْ لِتَشْدِيدِهِمْ الْإِنْكَارَ (وَكَيْفَ انْدَرَسَ) أَيْ انْقَطَعَ وَخَفِيَ (مِنْ الدِّينِ رَسْمُهُ) أَيْ أَثَرُهُ وَثَمَرَتُهُ الْمُطَابِقُ لَهُ وَبَقِيَ مُجَرَّدُ اسْمِهِ (كَمَا انْدَرَسَ تَحْقِيقُهُ) أَيْ حَقِيقَةُ الدِّينِ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَهَابَ الدِّينِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا ذُكِرَ كُفْرًا، وَالتَّأْوِيلُ بِالْكَمَالِ لَا يُنَافِي التَّحْقِيقَ؛ إذْ حَقِيقَةُ الشَّيْءِ تَمَامُ مَاهِيَّتِه، وَجَمِيعُ ذَاتِيَّاتِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ التَّجَوُّزَ مُبَالَغَةً أَوْ يَدَّعِيَ لُزُومَ الْكُفْرِ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ كَمَا أُشِيرَ هُنَالِكَ (انْتَهَى) كَلَامُ الْغَزَالِيِّ.

(وَقَالَ الْإِمَامُ الْخَبَّازِيُّ) وَهُوَ الشَّارِحُ الْأَوَّلُ لِلْهِدَايَةِ (فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرِ) فِي حَاشِيَةِ الْمُصَنِّفِ هُوَ ابْنُ زَيْنِ الْعَابِدِينَ وَالْبَاقِرُ لَقَبُهُ سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِهِ مَاهِرًا فِي الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ مِنْ الْبَقَرِ وَهُوَ الْمَهَارَةُ فِي الشَّيْءِ (أَوْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ) لَقَبُهُ (زَيْنُ الْعَابِدِينَ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - أَنَّهُ رَأَى فِي الْخَلَاءِ ذُبَابًا يَقَعْنَ عَلَى النَّجَاسَاتِ ثُمَّ يَقَعْنَ عَلَى الثِّيَابِ فَأَمَرَ بِثِيَابٍ) مُعَدَّةٍ (لِلْخَلَاءِ) كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلَاءَ لَبِسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>