للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الصِّيغَةِ إشَارَةٌ إلَى طَرِيقَةِ أَرْبَابِ السُّلُوكِ الَّتِي هِيَ التَّصَوُّفُ فَالْأَوَّلُ عِلْمُ الظَّاهِرِ.

وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى عِلْمِ الْبَاطِنِ (الْأَحْمَدِيَّةُ) أَيْ الْمَنْسُوبَةُ إلَى أَحْمَدَ يُقَالُ اسْمُهُ فِي الْأَرْضِ مُحَمَّدٌ وَفِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ (حَتَّى يُعْرَضَ عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ الَّتِي هِيَ اسْمٌ لِهَذَا الْكِتَابِ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَإِنْ دَلَّتْ مُطَابِقَةً عَلَى الْمَعْنَى الْوَصْفِيِّ الَّذِي ذُكِرَ لَكِنْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى اسْمِ هَذَا الْكِتَابِ كَأَنَّهُ نُقِلَ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الْعِلْمِيَّةِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَالْمَنْقُولِ عَنْهُ ظَاهِرٌ فَالِاسْمُ مُطَابِقٌ لِلْمُسَمَّى (عَمَلُهُ) وَلَوْ عَمَلَ قَلْبٍ وَلِسَانٍ وَإِلَّا فَلَا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (كُلُّ سَالِكٍ) كُلُّ مَنْ يَرِدُ سُلُوكَ طَرِيقٍ يُوَصِّلُ إلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِقَائِهِ أَوْ الْجَنَّةِ قَدَّمَ الْعَمَلَ مَعَ كَوْنِهِ مَفْعُولًا عَلَى كُلِّ سَالِكٍ مَعَ كَوْنِهِ فَاعِلًا لِاهْتِمَامِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ الْعَمَلِ يَعْنِي الْغَرَضَ مِنْ التَّصْنِيفِ هُوَ الْعَرْضُ لِيَكُونَ مِيزَانًا مُمَيِّزًا كَمَا يَصِفُهُ لَا شَيْءَ آخَرَ مِنْ أَغْرَاضٍ نَحْوِ الدُّنْيَا (فَيَتَمَيَّزَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يَعْرِضَ أَوْ رَفْعٍ جَوَابٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ إذَا عُرِضَ كُلُّ سَالِكٍ عَلَيْهَا فَيَتَمَيَّزُ أَيْ يُمَيَّزُ ذَلِكَ السَّالِكُ (الْمُصِيبُ) فِي عَمَلِهِ (عَنْ الْمُخْطِئِ) لِتَبْيِينِ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْ الصَّوَابِ وَالْخَطَإِ وَأَحْكَامِهِمَا فِيهَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّفْسِيرِ بِالْمُطَابَقَةِ وَالْمُخَالَفَةِ هَذَا بِحَسَبِ الدُّنْيَا.

وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَالنَّاجِي) مِنْ الْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ (مِنْ الْهَالِكِ) فَبِحَسَبِ الْآخِرَةِ وَلِهَذَا قَدَّمَهُمَا عَلَيْهِمَا فَكُلُّ مُصِيبٍ نَاجٍ كَمَا أَنَّ كُلَّ مُخْطِئٍ هَالِكٌ (وَرُتْبَتُهُ) أَيْ الَّذِي اسْمُهُ الطَّرِيقَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ لِإِرَادَةِ الِاسْمِ اسْتِخْدَامًا كَمَا أُشِيرَ وَتَأْنِيثُهُ فِي يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِرَادَةُ الْمَعْنَى الْوَصْفِيَّ هُنَاكَ وَالْأَوْلَى تَذْكِيرُهُ هُنَاكَ أَيْضًا لَعَلَّ الْغَرَضَ لِكَوْنِهِ حَالَ الْمَعْنَى اُعْتُبِرَ هَذَا الْجَانِبُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ) الظَّاهِرُ مِنْ سَوْقِ مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُجْعَلَ الْبَابُ أَرْبَعَةً فِي الِاعْتِقَادِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ نَظَرُهُ عَلَى نَحْوٍ آخَرَ لَمْ يُرَاعِ وَفْقَ السِّيَاقِ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ إرْجَاعُ ضَمِيرِ رُتْبَتِهِ إلَى نَفْسِ الْكِتَابِ فَمِنْ قَبِيلِ تَقْسِيمِ الْكُلِّ إلَى أَجْزَائِهِ وَإِنْ إلَى نَحْوِ مَا يَتَضَمَّنُهُ الْكِتَابُ فَمِنْ تَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ مُجَرَّدُ تَحْلِيلٍ وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ مَسَائِلِهِ عَلَى الْمُقْسِمِ وَبِالْعَكْسِ (مُتَوَكِّلًا عَلَى رَبِّ الْأَرْبَابِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ رُتْبَتِهِ أَيْ مُعْتَمَدًا عَلَى مَالِكِ الْمَالِكِينَ وَمَنْ فَسَّرَهُ بِإِلَهِ الْآلِهَةِ لَمْ يَحْسُنْ وَلَمَّا كَانَ هَذَا التَّصْنِيفُ أَمْرًا عَظِيمًا يُسْتَبْعَدُ حُصُولُهُ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ وَمُوهِمًا لِلْعَجَبِ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُفَوِّضًا حُصُولَهُ إلَيْهِ وَمُشِيرًا إلَى أَنَّ حُصُولَهُ لَيْسَ بِطَاقَتِهِ بَلْ بِتَوْفِيقِهِ تَعَالَى وَمُنَبِّهًا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ عَلَامَةِ النَّجَاحِ فِي النِّهَايَاتِ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبِدَايَاتِ وَعَنْ آخِرِ التَّوَكُّلِ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِاَللَّهِ تَعَالَى

[الْبَابُ الْأَوَّلُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]

(الْبَابُ الْأَوَّلُ)

قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْفِقْهِيَّةِ الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ لِلْبَابِ وَالْبَابُ لِلْفَصْلِ فَالْكِتَابُ جِنْسُ الْبَابِ نَوْعٌ وَالْفَصْلُ كَالْخَاصَّةِ فَلْيَكُنْ الْجِنْسُ هُنَا مَا يَشْمَلُهُ نَفْسُ الْكِتَابِ كَالْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الِاعْتِصَامُ نَوْعًا مِنْهُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَابَعَةِ مَوْضُوعَاتُهَا الِاعْتِصَامُ أَوْ نَوْعُهُ أَوْ أَعْرَاضُهُ الذَّاتِيَّةُ أَوْ نَوْعُ أَعْرَاضِهِ الذَّاتِيَّةِ وَمَحْمُولَاتُ الْكُلِّ أَعْرَاضُهُ الذَّاتِيَّةُ أَيْضًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَالْمِيزَانِ ثُمَّ الْمَسَائِلُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ نَظَرِيَّةً وَقَدْ تَكُونُ بَدِيهِيَّةً عِنْدَ الْبَعْضِ وَأَيْضًا تَكُونُ قَطْعِيَّةً وَظَنِّيَّةً وَصُورَةُ الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ وَلَوْ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ لَا تَكُونُ مَسْأَلَةً لِعَدَمِ التَّصْدِيقِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ الرَّازِيّ (فِي الِاعْتِصَامِ) أَيْ الِامْتِنَاعِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ غَيْرُ أَوْ كَمَالُ الْعِصْمَةِ إذْ الْحَاصِلُ بِالتَّكْلِيفِ يَكُونُ كَامِلًا عَادَةً فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى لُزُومِ التَّعَبِ وَالْكُلْفَةِ فِي حُصُولِ التَّحَفُّظِ (بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) مِنْ غَوَائِلِ الشَّيْطَانِ وَدَوَاعِي النَّفْسِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُقَرِّبَة إلَى النِّيرَانِ وَالْمُبْعِدَةِ عَنْ الرِّضْوَانِ لِأَنَّهُمَا حِصْنَانِ حَصِينَانِ لَنْ يَخْسَرَ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِهِمَا فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ فِي آنٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>