للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَالِيَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ

وَفِي التَّنْبِيهِ " عَنْ الْمَأْمُونِ أَنَّ جَارِيَتَهُ جَاءَتْ بِمَرَقَةٍ فَعَثَرَتْ فَصَبَّتْ عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهَا فَقَالَتْ اسْتَعْمِلْ قَوْله تَعَالَى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٤] قَالَ: قَدْ فَعَلْت، فَقَالَتْ: اسْتَعْمِلْ مَا بَعْدَهُ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٤] قَالَ: عَفَوْت، فَقَالَتْ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] قَالَ أَحْسَنْت إلَيْك فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى ".

وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: " أَفْضَلُ الْفَضَائِلِ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك، وَتَصْفَحَ عَمَّنْ ظَلَمَك " قَالَ شَارِحُهُ النِّحْرِيرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشَقُّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ.

قَالَ الرَّاغِبُ: فَالْعَفْوُ نِهَايَةُ الْحِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَك غَايَةُ الْجُودِ وَوَصْلُ مَنْ قَطَعَك نِهَايَةُ الْإِحْسَانِ.

وَقَالَ بَعْضُ مَنْ قَابَلَ الْإِسَاءَةَ بِالْإِحْسَانِ فَهُوَ أَكْمَلُ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِإِطْلَاقِ وَصْفِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَوْ ادِّعَاءً وَمُبَالَغَةً وَمِنْ ثَمَرَاتِ هَذَا الْخُلُقِ صَيْرُورَةُ الْعَدُوِّ خَلِيلًا أَوْ صَيْرُورَتُهُ قَتِيلًا وَتُنَكِّلُ بِهِ سِهَامُ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ تَنْكِيلًا.

قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ رَأَيْت فِي الْإِنْجِيلِ قَالَ عِيسَى: لَقَدْ قِيلَ لَكُمْ مِنْ قَبْلُ أَنَّ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالْآنَ أَقُولُ لَكُمْ لَا تُقَابِلُوا الشَّرَّ بِالشَّرِّ مَنْ ضَرَبَ خَدَّك الْأَيْمَنَ فَحَوِّلْ إلَيْهِ الْأَيْسَرَ، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَك فَأَعْطِهِ إزَارَك انْتَهَى.

(فَعَلَيْك أَيُّهَا السَّالِكُ بِتَخْلِيَةِ قَلْبِك عَنْ الرَّذَائِلِ وَتَحْلِيَتِهِ بِالْفَضَائِلِ) الظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا اللَّامَيْنِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَإِنَّ تَرْكَ خُلُقٍ وَاحِدٍ بِمَا يَدْعُو إلَى الْبَاقِي؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا مُرْتَبِطٌ بِبَعْضٍ، وَأَنَّ السَّلَامَةَ لَا تَصْفُو بِعَدَمِ بَعْضِ الْأَمْرَاضِ بَلْ بِجَمِيعِهَا (فَإِنَّ التَّصَوُّفَ عِبَارَةٌ عَنْهُمَا) أَيْ التَّخْلِيَةِ وَالتَّحْلِيَةِ وَلِذَا عَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ عِلْمِ التَّصَوُّفِ بِعِلْمِ الْأَخْلَاقِ (إذْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ) مِنْ الدَّنَاءَةِ أَيْ رَذِيلٍ (وَالدُّخُولُ فِي كُلِّ خُلُقٍ سُنِّيٍّ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ الْإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيِّ.

وَعَنْ الْجُنَيْدِ هُوَ أَنْ يُمِيتَك الْحَقُّ عَنْك وَيُحْيِيك بِهِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمَكِّيِّ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِمَا هُوَ أَوْلَى فِي الْوَقْتِ وَقِيلَ هُوَ أَخْلَاقٌ كَرِيمَةٌ ظَهَرَتْ فِي زَمَانٍ كَرِيمٍ مِنْ رَجُلٍ كَرِيمٍ مَعَ قَوْمٍ كِرَامٍ.

وَعَنْ الْكَرْخِيِّ هُوَ الْأَخْذُ بِالْحَقَائِقِ وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي أَيْدِي الْخَلَائِقِ كَمَا فِي الْقُشَيْرِيِّ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ الدَّعَاوَى وَكِتْمَانُ الْمَعَانِي وَقِيلَ هُوَ اخْتِيَارُ الْعُزْلَةِ وَاتِّبَاعُ الشَّرِيعَةِ وَالنُّطْقُ بِالْحِكْمَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ.

قَالَ عَبْدُ الرَّءُوفِ الْمُنَاوِيُّ فِي فَيْضِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: حَاوَلَ بَعْضُهُمْ جَمْعَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ فَقَالَ الْإِحْسَانُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْإِيثَارُ وَاتِّبَاعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ وَالِاسْتِقَامَةُ وَالِاقْتِصَادُ فِي الْعِبَادَةِ وَالْمَعِيشَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِعَيْبِ النَّفْسِ عَنْ عَيْبِ النَّاسِ وَالْإِنْصَافُ وَفِعْلُ الرُّخَصِ أَحْيَانًا وَالِاعْتِقَادُ مَعَ التَّسْلِيمِ وَالِافْتِقَارُ الِاخْتِيَارِيُّ وَالْإِنْفَاقُ بِغَيْرِ تَقْتِيرٍ، وَإِنْفَاقُ الْمَالِ لِصِيَانَةِ الْعِرْضِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَجَنُّبُ الشُّبْهَةِ وَاتِّقَاءُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا بِهِ بَأْسٌ وَإِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالِاسْتِشَارَةُ وَالِاسْتِخَارَةُ وَالْأَدَبُ وَالِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ لِأَفَاضِلِ الْبَشَرِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَإِدْخَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>