للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(رِيَاءٌ) فَظَاهِرُهُ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِ التَّخْلِيطِ وَلَوْ مَغْلُوبًا فَيَلْزَمُ عَدَمُ ثَوَابِ حَجٍّ مَنْ ضَمَّ قَصْدَ التِّجَارَةِ إلَى قَصْدِ حَجِّهِ بَلْ حُرْمَتُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ قَصْدَ الدُّنْيَا مُطْلَقًا مَانِعًا مِنْ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ بِالْغَلَبَةِ فَإِنْ غَلَبَ الدُّنْيَا لَا وَإِلَّا نَعَمْ وَبَعْضُهُمْ أَثَابَ مُطْلَقًا بِقَصْدِهِ الدِّينِيِّ؛ لِأَنَّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ أَمْرٌ مُبَاحٌ فَفِي الْمَقَامِ مَا إنْ تُؤُمِّلَ فُهِمَ (وَإِنْ كَانَ إعْلَامُ الْغَيْرِ) مُتَعَلِّقٌ بِصَدْرِ الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ فَهُوَ الْإِعْلَامُ الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِ الرِّيَاءِ (بَاعِثًا) لَهُ (عَلَى مُجَرَّدِ الْإِظْهَارِ) لَا يَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ (لِلِاقْتِدَاءِ) أَيْ اقْتِدَاءِ الْغَيْرِ الَّذِي أَعْلَمَ إلَيْهِ فَيَعْمَلُ مِثْلَهُ فَمِنْ بَابِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ (وَنَحْوَهُ مِنْ النِّيَّاتِ الصَّالِحَةِ لَا عَلَى نَفْسِ الْعَمَلِ) لَعَلَّ مِنْهُ غَرَضَ حَسَنِ الِاعْتِقَادِ إلَيْهِ وَالشَّهَادَةَ بِحَسَنِ حَالِهِ عَسَى أَنْ يَغْفِرَهُ اللَّهُ بِاعْتِقَادِهِ أَوْ بِشَهَادَتِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ كَقَصْدِ الشُّكْرِ أَوْ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لَهُ بِنِيَّةِ نُصْرَةِ الْحَقِّ وَقِيلَ كَالتَّعْلِيمِ لِلْجَاهِلِ (فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ) بَلْ مِمَّا يُثَابُ قِيلَ هُنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَصْدَ الْإِعْلَامِ حَالَ الْعَمَلِ فَرِيَاءٌ، وَإِنْ وُجِدَ الْعَمَلُ خَالِصًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِعْلَامُ فَلَيْسَ بِرِيَاءٍ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ مِنْ حَاصِلِ الْمَقَامِ إذْ مَعْنَى الْمَقَامِ كَمَا عَرَفْت إرَادَةَ نَفْعِ الدُّنْيَا بِإِعْلَامِ عَمَلِ الْآخِرَةِ فَالْإِعْلَامُ بَعْدَ الْعَمَلِ بِالْخُلُوصِ رِيَاءٌ غَايَتُهُ أَمْرٌ آخَرُ غَيْرَ الْعَمَلِ وَلَا يُزِيلُ ثَوَابَهُ قِيلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْكِتَابِ إنِّي تَرَكْت عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ بِأَسْرِهَا لِكَوْنِهَا كَالْهَذَيَانَاتِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُهْمَلَةِ فَالِاشْتِغَالُ بِهَا اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِي وَأَوْرَدَ بِأَنَّهُ مِنْ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مُرَادِهِ وَقُصُورِ النَّظَرِ عَنْ الشَّرْحِ عَلَى وَفْقِ مَرَامِهِ لِكَوْنِ مَأْخَذِهِ شَرِيفًا فَلَا يَطَّلِعُ إلَّا مَنْ سَاعَدَهُ التَّوْفِيقُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ.

أَقُولُ لَعَلَّ مُرَادَ الْمُورِدِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَفْصِيلِ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ وَتَكْثِيرِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ بَلْ الْإِجْمَالُ كَافٍ فِي وُصُولِ الْمُرَادِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ أَكْثَرَ الْأَقْسَامِ مُتَقَارِبَةٌ وَمُتَشَابِهَةٌ بَلْ مُتَمَاثِلَةٌ فَيَحْتَاجُ تَمْيِيزُ مَا يَكُونُ رِيَاءً مِمَّا لَا يَكُونُ رِيَاءً إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْبِيرِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمُتَوَرِّعِ الْخَبِيرِ مِمَّا يُوجِبُ الشَّيْنَ وَالتَّحْقِيرَ لَا يَلِيقُ إلَّا مِمَّنْ يَتَّصِفُ بِالتَّقْصِيرِ (فُرُوعٌ مُهِمَّةٌ) فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ لَكِنْ فِي شَرْحِهِ لِلْحَمَوِيِّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَالْمَنْفِيُّ بِعَدَمِ الرِّيَاءِ صَوْمُ الْفَرِيضَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الطَّاعَاتِ لِحَدِيثٍ قُدْسِيٍّ «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَلَمْ يَرَ مِثْلَهُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَالرِّيَاءُ فِي خَبَرِهِ لَا فِي صَوْمِهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِخْلَاصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ بِالْبِنَاءِ وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ فَصَحِيحَةٌ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ الثَّوَابِ أَصْلًا أَوْ كَمَالًا

وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ بِمَا إذَا شَارَكَ مُرِيدُ اللَّحْمِ مُرِيدَ الْأُضْحِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُلُّ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي نَفْسِ الْبَزَّازِيَّةِ الذَّبْحُ لِلْقَادِمِ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْغَزْوِ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ مَيْتَةٌ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي كُفْرِ الذَّابِحِ قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَالْمُرَادُ مِنْ الذَّابِحِ قِيلَ حَقِيقَةٌ وَقِيلَ مَجَازٌ عَنْ الْآمِرِ وَعَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا افْتَتَحَ خَالِصًا ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ وَعَنْ الْوَاقِعَاتِ أَنَّ التَّحَرُّزَ مِمَّا يَعْرِضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُ فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ صَلَّى رِيَاءً لَا أَجْرَ لَهُ بَلْ الْوِزْرُ وَقِيلَ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ وَخَافَ مِنْ دُخُولِ الرِّيَاءِ فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَالْحَاجُّ إذَا خَرَجَ تَاجِرًا فَلَا أَجْرَ لَهُ كَمَا فُهِمَ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>