للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحُسْنِ الظَّنِّ عَلَى مِثْلِ الْمُصَنِّفِ، وَمَنْ قَلَّدَهُ الْمُصَنِّفُ فَافْهَمْ.

(فَلْيَكُنْ) الْعَابِدُ (عَلَى بَصِيرَةٍ) حَتَّى لَا يَقَعَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَزَالِقِ (وَحَذَّرَ مِنْ التَّلْبِيسِ) مِنْ حِيَلِ إبْلِيسَ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ فِي أَوَّلِ عَمَلِ الْعَابِدِ فَيَرْضَى بِمِثْلِهِ فِي آخِرِهِ (فَإِنَّ النَّاقِدَ) أَيْ الْمُمَيِّزَ الْفَارِقَ بَيْنَ الْخَالِصِ وَالزُّيُوفِ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى (بَصِيرٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ قَلِيلٌ وَلَا صَغِيرٌ) فَيُؤَاخِذُ عَلَيْهِ وَلَا يَغْفُلُ وَلَا يُسَامِحُ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ الرِّيَاءِ (أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ صَاحِبَانِ غَنِيٌّ وَفَقِيرٌ وَوَجَدَ عِنْدَ إقْبَالِ الْغَنِيِّ زِيَادَةَ هِزَّةٍ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ أَيْ زِيَادَةَ فَرَحٍ وَنَشَاطٍ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ نَفْسِ الْعَابِدِ (لِإِكْرَامِهِ) أَيْ إقْبَالِهِ فَتَأَمَّلْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ لِإِكْرَامِ الْفَقِيرِ فَهَذَا أَيْضًا شَوْبٌ خَفِيٌّ مِنْ الرِّيَاءِ (إلَّا إذَا كَانَ فِي الْغَنِيِّ زِيَادَةُ عِلْمٍ) عَلَى الْفَقِيرِ (أَوْ) زِيَادَةُ (وَرَعٍ) عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ لَهُ (صَدَاقَةٌ سَابِقَةٌ) مَعَهُ (أَوْ نَحْوُهَا) نَحْوُ جُودِهِ وَسَخَائِهِ نُقِلَ عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِعَلَامَةِ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي إنَّ إكْرَامَ الْغَنِيِّ إذَا كَانَ وَلِيَّ النِّعْمَةِ وَالدُّعَاءِ لَهُ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ جَائِزٌ بَلْ مَأْمُورٌ بِهِ إذَا كَانَ الْبَاعِثُ قَصْدَ الْمُكَافَأَةِ لِإِنْعَامِهِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ شَوْبِ غَرَضِ الْإِنْعَامِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَإِنَّهُ رِيَاءٌ انْتَهَى.

وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ عِلْمَ الْغَنِيِّ وَوَرَعَهُ يُوجِبُ الْمَزِيَّةَ كَذَلِكَ فَقْرُ الْفَقِيرِ لَا سِيَّمَا الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَيْضًا يُوجِبُ ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ النِّسْبَةُ وَالْمُعَادَلَةُ بَيْنَ صَبْرِ الْفَقِيرِ وَشُكْرِ الْغَنِيِّ لَا بَيْنَ وَرَعِ الْغَنِيِّ وَصَبْرِ الْفَقِيرِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِيهِ أَيْضًا (فَمَنْ كَانَ اسْتِرْوَاحُهُ) وُجُودُ رَاحَتِهِ (إلَى مُشَاهَدَةِ الْأَغْنِيَاءِ أَكْثَرَ) مِنْ الْفُقَرَاءِ (بِدُونِ مَا ذُكِرَ) مِنْ مُوجِبَاتِهِ كَالْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَالصَّدَاقَةِ السَّوَابِقِ (فَهُوَ مُرَاءٍ) وَالِاسْتِرْوَاحُ عَلَامَتُهُ يَشْكُلُ أَنَّ الرِّيَاءَ كَمَا عَرَفْت إرَادَةُ نَفْعِ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ الِاسْتِرْوَاحُ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّ إكْرَامَ الْغَنِيِّ لِأَجْلِ عِبَادَتِهِ تَعَالَى (وَمِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَالِمِ وَالْوَاعِظِ وَالشَّيْخِ) الصُّوفِيِّ السَّالِكِ الْمُرَبَّى بِالتُّقَى وَالرِّعَةِ وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيئَةِ (أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَعْظًا) بِطَلَاقَةِ اللِّسَانِ وَعُذُوبَةِ الْكَلَامِ وَانْفِعَالِ النَّاسِ بِنُصْحِهِ وَصَلَاحِهِمْ بِوَعْظِهِ (وَأَغْزَرُ) مِنْ الْغَزَارَةِ أَيْ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ (عِلْمًا) بِالتَّدْرِيسِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّصْنِيفِ وَبِكَثْرَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ وَوُفُورِ الرَّاغِبِينَ وَبِجَمْعِ الطَّالِبِينَ وَمَدْحِ عِلْمِهِ وَثَنَاءِ دَرْسِهِ وَبِالْغَلَبَةِ عَلَى الْمُنَاظِرِينَ أَوْ بِالْعَمَلِ عَلَى مُوجِبِ عِلْمِهِ فَالثَّانِي لِلْأَوَّلِ وَالْأَوَّلُ لِلثَّانِي فَالْأَوْلَى الْعَكْسُ عَلَى طَرِيقِ تَرْتِيبِ النَّشْرِ عَلَى اللَّفِّ نَعَمْ النَّشْرُ الْغَيْرُ الْمُرَتَّبِ طَرِيقٌ أَيْضًا (وَالنَّاسُ أَشَدُّ لَهُ قَبُولًا) .

وَلَوْ قَالَ وَأَشَدُّ لَهُ قَبُولًا لَكَانَ أَوْفَقَ لِمَا قَبْلَهُ فَهَذَا لِلثَّالِثِ أَيْ لِلشَّيْخِ عَلِيٍّ طَرِيقُ بَيَانِ الضَّرُورَةِ فَأَشَدِّيَّةُ الْقَبُولِ بِنَحْوِ رَغْبَةِ النَّاسِ إلَى الدُّخُولِ تَحْتَ تَرْبِيَتِهِ وَبِقُوَّةِ ظُهُورِ آثَارِ صَلَاحِهِ مِنْ نَحْوِ ظُهُورِ الْحَالَاتِ وَالْمَقَامَاتِ وَالْكَرَامَاتِ (سَاءَهُ) أَيْ أَحْزَنَهُ فِعْلُهُمْ (وَحَسَدُهُ) عَلَى الْكَمَالِ الَّذِي رَأَى مِنْهُ لِكَوْنِ نَظَرِهِ إلَى مَذَمَّةِ الْخَلْقِ وَمَدْحِهِمْ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُقِلُّ رَغْبَةَ النَّاسِ إلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّ نَظَرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>