للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْمُبَاحَاتِ) حَالَ كَوْنِ إرَادَةِ الشَّيْءِ الْمُخَاطَرِ (بِالْحُكْمِ) بِلَا اسْتِثْنَاءٍ وَلَا شَرْطِ صَلَاحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْزِمُ بِالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِيهِ لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ فَتَأَمَّلْ (وَهُوَ) أَيْ الطَّمَعُ الْمَذْمُومُ.

(الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ هق) الْبَيْهَقِيُّ (حك) الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ثَالِثٌ فِي الْإِسْلَامِ، أَوَّلُ رَامٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَانَ أَحَدَ السِّتَّةِ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَرَاقَ دَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ «ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي» وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ قَالَ لَهُ رَجُلٌ حِينَ إمَارَتِهِ بِالْكُوفَةِ: أَنْتَ لَا تَعْدِلُ فِي الرَّعِيَّةِ وَلَا تَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا تَغْزُو فِي السَّرِيَّةِ، فَقَالَ سَعْدٌ: اللَّهُمَّ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَأَعْمِ بَصَرَهُ وَعَجِّلْ فَقْرَهُ وَأَطِلْ عُمُرَهُ وَعَرِّضْهُ لِلْفِتَنِ فَعَمِيَ فَكَانَ يَلْتَمِسُ الْجُدْرَانَ وَافْتَقَرَ حَتَّى سَأَلَ النَّاسَ وَأَدْرَكَ فِتْنَةَ الْمُخْتَارِ، فَقِيلَ فِيهَا يَقُولُ أَدْرَكَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ وَهُوَ آخِرُ الْمُهَاجِرِينَ وَفَاةً، وَكَانَ أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي جُبَّةِ صُوفٍ لَهُ كَانَ لَقِيَ فِيهَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَكُفِّنَ فِيهَا.

«جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ» - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي» بِمَا يُنْقِذُنِي مِنْ النَّارِ وَمِنْ الذِّلَّةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ «قَالَ عَلَيْك بِالْإِيَاسِ» فِعَالٌ مُبَالَغَةٌ فِي الْيَأْسِ أَيْ الْمُبَالَغَةِ فِي قَطْعِ الْأُمْنِيَةِ «مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ» مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا يَعْنِي صَمِّمْ وَأَلْزِمْ نَفْسَك بِالْيَأْسِ مِنْهُ «وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ» أَيْ الطَّمَعَ «الْفَقْرُ الْحَاضِرُ» وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: مَنْ عُدِمَ الْقَنَاعَةَ لَمْ يَزِدْهُ الْمَالُ إلَّا فَقْرًا وَلَقَدْ صَدَقَ مَنْ قَالَ

دَعْ الْحِرْصَ عَلَى الدُّنْيَا ... وَفِي الْعَيْشِ فَلَا تَطْمَعْ

وَلَا تَجْمَعْ مِنْ الْمَالِ ... فَلَا تَدْرِي لِمَنْ تَجْمَعْ

فَإِنَّ الرِّزْقَ مَقْسُومٌ ... وَسُوءُ الظَّنِّ لَا يَنْفَعْ

فَقِيرٌ كُلُّ ذِي حِرْصٍ ... غَنِيٌّ كُلُّ مَنْ يَقْنَعْ

وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يَفْنَى وَمَالٌ لَا يَنْفَدُ» وَأَنْشَدُوا

إنَّ الْقَنَاعَةَ بَابٌ أَنْتَ دَاخِلُهُ ... إنْ كُنْت ذَاكَ الَّذِي يُرْجَى لِخِدْمَتِهِ

فَاقْنَعْ بِمَا أَعْطَتْ الْأَيَّامُ مِنْ نِعَمٍ ... مِنْ الطَّبِيعَةِ لَا تَقْنَعْ بِنِعْمَتِهِ

لَوْ كَانَ عِنْدَك مَالُ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ... لَنْ يَأْكُلَ الشَّخْصُ مِنْهُ غَيْرَ لُقْمَتِهِ

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:

مَا ذَاقَ ذَوْقَ الْغِنَى مَنْ لَا قُنُوعَ لَهُ ... وَلَنْ تَرَى قَانِعًا مَا عَاشَ مُفْتَقِرًا

«وَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ» أَيْ اشْرَعْ فِيهَا وَالْحَالُ أَنَّك تَارِكٌ غَيْرَك لِمُنَاجَاةِ رَبِّك مُقْبِلًا عَلَيْهِ بِكُلِّيَّتِك «وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ» أَيْ احْذَرْ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِمَا يُحْوِجُك أَنْ تَعْتَذِرَ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقِفَنَّ مَوَاقِفَ التُّهَمِ» وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إيَّاكَ وَمَا سَبَقَ الْقُلُوبَ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ كَمَا فِي ابْنِ مَالِكٍ وَلِذَا كَرِهَ الذَّوْقَ وَمَضْغَ شَيْءٍ لِلصَّائِمِ؛ لِأَنَّ مَنْ رَآهُ مِنْ بَعِيدٍ يَظُنُّهُ آكِلًا وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّدَبُّرِ وَالنَّظَرِ إلَى الْعَاقِبَةِ.

(فَطَمَعُ الْحَرَامِ حَرَامٌ) لِأَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا (وَطَمَعُ الْمُخَاطَرِ) (لَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ جِدًّا) لِعَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ الْمُحَرَّمِ إذْ رُبَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>