للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِمَا حَيَاءٌ فَمَا فِيهِمَا هُوَ الرِّيَاءُ فِي الْأَغْلَبِ فَيَشْكُلُ أَنَّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِبَادَةِ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَيْسَ مِنْ الْعِبَادَةِ فَتَأَمَّلْ أَوَّلًا وَثَانِيًا (وَهُوَ) أَيْ الْحَيَاءُ (فِيهِمَا) أَيْ الْقَبَائِحِ وَالذُّنُوبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إرْجَاعَ ضَمِيرِ هُوَ إلَى الرَّجُلِ وَضَمِيرِ فِيهِمَا إلَى الْمَشْيِ وَالضَّحِكِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَإِرْجَاعِ الْأَوَّلِ إلَى الْحَيَاءِ مَعَ إرْجَاعِ الثَّانِي إلَى الْمَشْيِ وَالضَّحِكِ (مَحْمُودٌ) لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي مَسَاغَ التَّرْكِ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الْوُجُوبُ وَتَعْمِيمُ الْمَحْمُودِيَّةِ إلَى رُتْبَةِ الْوُجُوبِ أَوْ إرَادَتُهُ مِنْهَا وَإِنْ صَحَّ أَصْلًا لَكِنْ بَعِيدٌ اسْتِعْمَالًا فَيَرِدُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْمُرَجَّحِ الْمَشْيُ وَالضَّحِكُ فَكَوْنُهُ مَحْمُودًا فِي نَفْسِهِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ الْقَبَائِحَ وَالذُّنُوبَ فَاللَّازِمُ هُوَ الْوُجُوبُ لَا الْمَحْمُودِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَإِمَّا يَخْتَارُ الْأَوَّلَ بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى - {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣]- وقَوْله تَعَالَى - {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [الإسراء: ٣٧]- وَالثَّانِيَ بِنَحْوِ مَا أُشِيرَ وَبِادِّعَاءِ أَنَّ كُلَّ مَحْمُودٍ فَوَاجِبٌ فَتَأَمَّلْ (وَلَوْ مِنْ النَّاسِ) لَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْحَيَاءَ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَمَّا كَانَ فِي نَفْسِهِ مُجْمَلًا مَعَ إيهَامِهِ خِلَافَ الْأَصْلِ لِكَوْنِهِ مِنْ النَّاسِ وَاحْتَاجَ إلَى بَيَانٍ قَالَ (وَسَيَجِيءُ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(وَأَمَّا الْحَيَاءُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْوَاجِبَاتِ فَمَذْمُومٌ جِدًّا) لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، وَالِاسْتِحْيَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْبَاطِلِ (وَيُسَمَّى عَجْزًا) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ تَرْكُ الطَّاعَةِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا (وَضَعْفًا) خِلَافَ الْقُوَّةِ (خَوَرًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَمُعْجَمَةٍ أَيْ لِينًا خِلَافَ الشِّدَّةِ فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ يَقْتَضِي عِنْدَ التَّكْلِيفِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَذْمُومًا قُلْنَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ وَأَمَّا هُنَا فَمَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ الْمَنْقُولُ (كَمَنْ يَسْتَحْيِي مِنْ الْوَعْظِ) لِعِظَمِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَهُ فِي الصُّورَةِ فَيَتْرُكُهُ إجْلَالًا لَهُمْ أَوْ خَوْفًا مِنْ تَعْيِيرِهِمْ وَتَخْطِئَتِهِمْ (وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ) لِرِفْعَةِ الْمَأْمُورِ وَجَاهِهِ (وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَنَحْوِهَا) كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَتَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ وَفَتْوَى الْمُسْتَفْتِي فَإِنْ قِيلَ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْحَيَاءُ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إلَّا بِخَيْرٍ كُلُّهُ» ، فَكَيْفَ يَكُونُ مَذْمُومًا؟ قُلْت قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إنَّهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ عَجْزٌ وَمَهَانَةٌ وَخَوَرٌ وَإِنَّمَا يُطْلِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعُرْفِ مَجَازًا وَحَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنْ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ.

وَقَالَ أَيْضًا سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ كَوْنِ الْحَيَاءِ مِنْ الْإِيمَانِ هَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ أَوْ مُطْلَقٌ فَقَالَ مُقَيَّدٌ بِتَرْكِ الْحَيَاءِ فِي الْمَذْمُومِ شَرْعًا وَإِلَّا فَعَدَمُهُ مَطْلُوبٌ وَتَرْكُهُ مِنْ النُّعُوتِ الْإِلَهِيَّةِ {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا} [البقرة: ٢٦] {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: ٥٣] (فَ) الْمُؤْمِنُ (الْقَوِيُّ يُؤْثِرُ الْحَيَاءَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى) بِانْقِبَاضِ نَفْسِهِ عَنْ الْقَبَائِحِ (عَلَى الْحَيَاءِ مِنْ النَّاسِ) فَيَأْتِي بِمَا ذُكِرَ مِنْ الطَّاعَاتِ بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ وَلَا يُبَالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>