للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَوْتِ دِينِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى» وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ يُسْمَعُ لِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى» كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ وَالسَّنُوسِيِّ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: ٩٩] انْتَهَى لَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ التَّقْرِيبِ إذْ الْخَوْفُ هُنَا خَوْفُ الرِّيَاءِ وَالْخَوْفُ فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ ذَلِكَ (حَتَّى نُقِلَ عَنْ رَابِعَةَ الْعَدَوِيَّةِ) لَعَلَّهَا مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي عَدِيٍّ قَبِيلَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (حِينَ قِيلَ لَهَا بِمَ تَرْتَجِينَ) بِأَيِّ شَيْءٍ تَطْلُبِينَ رَحْمَتَهُ تَعَالَى وَرِضَاهُ (أَنَّهَا قَالَتْ بِإِيَاسِي) مِنْ الْيَأْسِ (مِنْ جُلِّ عَمَلِي) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ عَظِيمِ عَمَلِي فَعَدَمُ تَعْظِيمِ الْعَمَلِ إنَّمَا يَكُونُ بِغَلَبَةِ جَانِبِ الْخَوْفِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْخَوْفُ مِنْ الرِّيَاءِ سِيَّمَا الْخَفِيُّ كَمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَلَالَةِ الْعَمَلِ غَلَبَةُ الْخَوْفِ عَلَى الرَّجَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْيَأْسَ مِنْ جَلَالَةِ الْعَمَلِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْيَأْسَ مِنْ مُطْلَقِ الْعَمَلِ الْمُسْتَلْزِمِ الْيَأْسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ

ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ وَقَالَ (وَاَلَّذِي عِنْدِي) فَإِنْ قِيلَ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ مِنْ أَرْبَابِ الِاجْتِهَادِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ كَالطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ عَلَى مَا قَالُوا فَكَيْفَ يَنْفَرِدُ عَنْ رَأْيِ جُمْهُورِ الْمَشَايِخِ قُلْنَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَطَالِبِ الِاجْتِهَادِيَّةِ بَلْ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لِلْعُلَمَاءِ الْعَامِّيَّةِ فِيهَا حَظٌّ إذْ حَاصِلُهُ هُوَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِهَادَ فِي الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ بِمُنْقَرِضٍ عِنْدَ مُثْبِتِيهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَنِّفُ مِنْ رِجَالِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ نَعَمْ الْأَصَحُّ عَدَمُ تَجْزِيءِ الِاجْتِهَادِ (اخْتِلَافُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ) فَفِي بَعْضِ الْأَشْخَاصِ غَلَبَةُ الرَّجَاءِ وَفِي بَعْضِهَا غَلَبَةُ خَوْفِهَا وَفِي شَخْصٍ وَاحِدٍ يَغْلِبُ الرَّجَاءُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَغْلِبُ الْخَوْفُ فِي بَعْضٍ آخَرَ لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» ؛ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ كُلَّ كَيِّسٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ حَقِيرَةً ذَلِيلَةً، وَالْعَاجِزُ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ وَيَرْجُو الثَّوَابَ

فَأَقُولُ مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ «مَنْ دَانَ نَفْسَهُ» أَيْ حَاسَبَهَا وَاسْتَعْبَدَهَا وَأَذَلَّهَا وَقَهَرَهَا يَعْنِي يَجْعَلُ نَفْسَهُ مُطِيعَةً لِأَوَامِرِ رَبِّهَا وَيَدُومُ بِهَا وَقَوْلُهُ «وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» مِنْ الْأُمْنِيَةِ أَيْ مَعَ تَقْصِيرِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِ نَفْسِهِ لَا يَسْتَعِدُّ وَلَا يَعْتَذِرُ وَلَا يَرْجِعُ بَلْ تَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْعَفْوَ وَالْجَنَّةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَتَرْكِ التَّوْبَةِ وَقِيلَ وَقِيلَ (فَإِنَّ الْمُبْتَدِئَ) فِي السُّلُوكِ (وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ آثَارِ الْعُجْبِ وَالْأَمْنِ) أَثَرُ الْأَمْنِ لَيْسَ نَفْسَ الْأَمْنِ فَلَا مَحْذُورَ (وَالْغُرُورِ) بِمَا هُوَ مُسْتَدْرَجٌ فِيهِ (وَالْبَطَالَةِ) عَنْ الْعَمَلِ (يَنْبَغِي لَهُمَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>