للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُصَدِّقُهُ وَيَقُولُ الْآخَرُ يَا فُلَانُ: أَلَمْ أُكَلِّمْ لَك فُلَانًا فَلَا يَزَالُونَ يُخْبِرُونَهُ بِمَا صَنَعُوا إلَيْهِ وَهُوَ يُصَدِّقُهُمْ حَتَّى يَذْهَبَ بِهِمْ جَمِيعًا حَتَّى يَدْخُلَ بِهِمْ الْجَنَّةَ، فَيَبْقَى قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَ الْمَعْرُوفَ فَيَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا كُنَّا نَصْنَعُ الْمَعْرُوفَ حَتَّى نَدْخُلَ الْجَنَّةَ» .

(فَائِدَةٌ) : رُئِيَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَنَامِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَقِيلَ لَهُ مَا أَحْسَنُ الْأَعْمَالِ؟ قَالَ عَطْفُ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ تَيَّةُ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ ثِقَةً بِاَللَّهِ تَعَالَى.

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «اتَّخِذُوا عِنْدَ الْفُقَرَاءِ أَيَادِيَ فَإِنَّ لَهُمْ دَوْلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ سِيرُوا إلَى الْفُقَرَاءِ فَيُعْتَذَرُ كَمَا يَعْتَذِرُ أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا» .

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: وَقَدْ تَأَدَّبَ السَّلَفُ فِي هَذَا بِأَدَبِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى حُكِيَ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي مَجْلِسِهِ أُمَرَاءُ.

وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ: الْفَقْرُ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ دَاعٍ إلَى الْإِنَابَةِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ وَالطَّلَبِ مِنْهُ، وَهُوَ حِلْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَرُتْبَةُ الْأَوْلِيَاءِ وَزِيُّ الصُّلَحَاءِ وَمِنْ ثَمَّةَ وَرَدَ خَبَرُ إذَا رَأَيْت الْفَقْرَ مُقْبِلًا فَقُلْ مَرْحَبًا بِشَعَائِرِ الصَّالِحِينَ فَهُوَ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ بَيْدَ أَنَّهُ مُؤْلِمٌ شَدِيدُ التَّحَمُّلِ.

وَأَمَّا «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْفَقْرِ وَكَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا» فَعَنْ الْغَزَالِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْفَقْرَ لَيْسَ خَيْرًا مَحْضًا وَلَا شَرًّا مَحْضًا كَالْمَالِ بَلْ سَبَبٌ لِلْأَمْرَيْنِ مَعًا يُمْدَحُ مَرَّةً وَيُذَمُّ أُخْرَى وَالْبَصِيرُ الْمُمَيِّزُ يُدْرِكُ أَنَّ الْمَحْمُودَ مِنْهُ غَيْرُ الْمَذْمُومِ

كَتَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إلَى بَعْضِ إخْوَانِهِ عَلَيْك بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْأَلُ رَبَّهُ حُبَّ الْمَسَاكِينِ» وَمِنْ أَحَادِيثِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَيْضًا فِي الصُّرَّةِ مِنْ بُرْهَانِ الصِّحَاحِ أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ مُزْهِدٌ أَيْ قَلِيلُ الْمَالِ، وَلِهَذَا فُضِّلَ الْفَقِيرُ الصَّابِرُ عَلَى الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ كَمَا سَبَقَ عَنْ بَحْرِ الْكَلَامِ وَأَيْضًا فِي الصُّرَّةِ عَنْ جَوَاهِرِ الْفِقْهِ اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ هُوَ أَوْلَى مِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ.

(وَ) مُعَاطَاةُ (أَنْوَاعِ الْكَسْبِ) بِنَفْسِهِ (مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِجَارَةِ نَفْسِهِ لِلْأَعْمَالِ الْمُبَاحَةِ كَرَعْيِ الْغَنَمِ) قِيلَ فِيهِ إشْبَاعُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَرْحَمَةُ لَهُمْ (وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَالْكَرَمِ وَعَمَلِ الطِّينِ وَالْبِنَاءِ وَحَمْلِ الْحَطَبِ) لِنَفْسِهِ أَوْ لِلنَّاسِ بِالْأَجْرِ أَوْ لِلضَّعِيفِ لِمُجَرَّدِ الْمَرْحَمَةِ (عَلَى ظَهْرِهِ فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَأَمْثَالَهُ تَوَاضُعٌ) مَحْمُودٌ وَلَيْسَ بِتَذَلُّلٍ مَذْمُومٍ وَقَدْ (فَعَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -) الظَّاهِرُ مِنْ قَبِيلِ انْقِسَامِ الْآحَادِ إلَى الْآحَادِ وَلَوْ آحَادًا نَوْعِيَّةً (وَالْأَوْلِيَاءُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَعَيُّنِ رُتْبَةِ الْفَرْضِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ لِمِقْدَارِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فَرْضٌ وَمَا زَادَ فَمُبَاحٌ إنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعُجْبَ وَالرِّيَاءَ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ أَنْوَاعَ الْكَسْبِ فِي الْإِبَاحَةِ سَوَاءٌ وَاخْتُلِفَ هَلْ الْأَفْضَلُ الزِّرَاعَةُ أَوْ التِّجَارَةُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَأَكْثَرُهُ) الظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَسْبِ (صَدَرَ عَنْ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ) وَلَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ (عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَجْمَعِينَ وَصَحَابَتِهِ الْمُكْرَمِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) .

وَفِي الشِّرْعَةِ كَسَبَ إدْرِيسَ خِيَاطَةُ الثِّيَابِ وَدَاوُد يَعْمَلُ الدُّرُوعَ مِنْ الْحَدِيدِ وَالْخَلِيلُ يَحْرُثُ وَيُحْرَثُ لَهُ وَيَتَّجِرُ فِي الْبَزِّ أَيْضًا وَأَوَّلُ مَنْ نَسَجَ الْأَثْوَابَ آدَم وَعِيسَى يَخْصِفُ النَّعْلَ وَيُرَقِّعُهُ وَنُوحٌ نَجَّارٌ وَصَالِحٌ يَنْسِجُ الْأَكْسِيَةَ بِيَدِهِ، وَرَعْيُ الْغَنَمِ مِنْ دَأْبِ الْأَنْبِيَاءِ وَنَبِيُّنَا عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ ذُكِرَ مَعَ سَائِرِهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَنْمَى التَّسْلِيمَاتِ رَعَى الْغَنَمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ عَلَى قَرَارِيطَ قَبْلَ الْوَحْيِ.

وَعَنْ عَارِيَّةَ الْمُحَاسِبِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ بِالْأَرْضِ وَأَلْبَسُ الصُّوفَ وَأَعْتَقِلُ الْعَنْزَ وَأَلْعَقُ أَصَابِعِي وَأُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» .

وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّهُ مَنْ حَمَلَ لِأَهْلِهِ الْفَاكِهَةَ وَالشَّيْءَ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْكِبْرِ» ، وَذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ وَاشْتَرَى وَشِرَاؤُهُ أَكْثَرُ وَآجَرَ وَاسْتَأْجَرَ وَإِيجَارُهُ أَكْثَرُ وَضَارَبَ وَشَارَكَ وَوَكَّلَ وَتَوَكَّلَ وَتَوْكِيلُهُ أَكْثَرُ وَأَهْدَى وَأُهْدِيَ لَهُ وَوَهَبَ وَاتَّهَبَ وَاسْتَدَانَ وَاسْتَعَارَ وَضَمِنَ عَامًّا وَخَاصًّا وَوَقَفَ وَشَفَعَ فَقَبِلَ تَارَةً وَرَدَّ أُخْرَى فَلَمْ يَغْضَبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>